الرئيسية / ثقافة / الصرخة (قصة قصيرة) القاص عبدالرحيم بوحفحوف

الصرخة (قصة قصيرة) القاص عبدالرحيم بوحفحوف

الصرخة  / قصة قصيرة

القاص / عبدالرحيم بوحفحوف / ليبيا

القاص عبدالرحيم بوحفوف ليبيا
القاص عبدالرحيم بوحفحوف ليبيا

    وقف ليتذكر كم مرة و مرة و مرة .. وقفت الكلمات في حلقه عصية ؟ و كم من الحوادث الجسام طرأت و أضيفت دون إرادته إلى مخزون ذاكرته المثخنة  ؟ و لم تهزه قط !! و كم من أشياء عظيمة حسب رؤى غيره بدت في نظره دميمة دميمة ؟ ..

 

و العكس ولا من تشابه !! و كم من منزلة أجبرته نفسه على نزولها عن غير هدى منه 

أو رغبة لديه .. بل على كم من القمم و الشواهق أركزته تدابيره و حنكته و فرص أيامه الثمينة ؟ و يطول وقوفه و يتواصل ويمتد ……. و لا يتذكر شيئاً غير الذي سمحت له اللحظات بتذكره .. رغم محاولاته المتكررة .. و إجادته لما يفعله .. إلا أن عجلة ذاكرته كانت تعيده بعد كل محاولة إلى حيث بدأ .

   لحظتئذٍ .. صرخ ملء حنجرته .. عازماً طرح أفكاره على طريقته و بنفسه .. حيث كانت لديه ثقة كبيرة في قدراته ..هو ربما لا يستطيع الهروب من هنا الآن .. كما أن بعض التخيلات مازالت تسكن أقبية رأسه و تحاصر  ذهنه .. لكنه عاود الصراخ .. لكي لا يلد الوقوف صوراً مشوهة .. كتلك التي نعلقها على الجدران الباهتة في صمت .. و دون فهم لها .. ولكي يأتي الحضور مع الفجر الجديد و يشهدون بزوغ الشمس .. حيث وهب الشهيد دمه !! صرخ ليسمع كل ما سُجل بتجويف هامته من حنظليات حلوة .. وسكريات معلقمة .. بعد أن دنت ساعة الحساب ..

مازال من حوله يجهلون ما الذي يريد إقناعهم به .. ؟ هم لم يرونه ضعيفاً البتة.. رغم أن أموراً صغيرة كثيرة يقوم بها .. تثير استغرابهم بين الحين و الآخر  ودهشتهم !! وفشله في أحيان متعددة في معالجة مشاكله بهدوء وعقلانية .. بالطبع هو لم يكن عاجزاً .. أو ضعيفاً .. كما لم يكن يوماً فظاً أو غليظاً أو عدوانياً .. لكنه بين هذا وذاك غريب الأطوار .. و في بعض الأحيان يراوده الإحساس الذي يقض مضجعه و يقلقه .. إحساس مفاده :إن من الآمن له ألا يكون هنا.

لا يريد أن يستسلم كي لا يعطى الشامتين ما يريدون .. كما لم  يرد كبح رغبته الشديدة في إطلاق صرخة مدوية ..لربما تكون نقطة بداية لعهد نفسي جديد .. عساه يشعر خلاله بإنسانيته المفقودة و بالحب و الأمان و التقدير ممن حوله .. لكن ثلة أفكاره القديمة .. وهواجسه الأليمة ها هي تحاصره .. وصار بين الفينة و الأخرى يشعر بموالستها.. وهي تجره و أيامه المتعاقبة إلى دهاليز الوهم .. و تسلبه هناء أيامه و تؤدة عمره .. فكم هي وضيعة تلك الوشوشات المختبئة بين أقبية رأسه الثقيل .. و أخمصي قدميه الملطختين بوزر السير في ركب أو لئك الجناة على نفسه ؟

يكاد يقوم بتمزيق ثيابه .. لأنه لم يستطع إطلاق العنان لصرخته الحبيسة في صدره منذ زمن .. و لا أحد يدخل السجن لأنه قام بتمزيق ملابسه أو بسبب صرخات أطلقها مدوية في الهواء .. لم يعد يتمالك نفسه التي تحثه باستمرار على إنهاء حالة التذمر .. التي تفسد مزاجه  وتؤرقه حتى بات موضع شفقة الآخرين .. و مدعاة لرأفتهم و تحنانهم .. لكنه قرر قبل قليل التخلص من السبب الذي يجعله على هذه الحال .. فالأمر لا يستحق كثير عناء وربما الوقت قد حان ليفعل ما يشعر بالرغبة الملحة لفعله .

   ..انفرد واقفاً علي تلّةٍ مرتفعة بعض الشيء و استجمع قوة صوته ليطلق صرخة برهنت عن حذقه للصراخ .. بعدها صمت مشدوهاً .. مرتعشاً قليلاً .. وبدأ في لطم وجهه وتخفيف وطأة صراخه من جديد .. غريب أن يرثي المرء حاله .. و الأصعب أن يصدق أحد ما معاناته الطويلة من حمله لعبء هذه الصرخة التي بذرت بداخله حبوب الصراخ غير المخصبة .. لتجعله مدمن صراخ مدى حياته .

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

منعطفات الجريمة المنظمة الجامحة

*الايرلندي /2019/ لسكورسيزي: منعطفات الجريمة المنظمة الجامحة ضمن النسيج السياسي الأمريكي بعيدا عن الشعور بالذنب: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *