الرئيسية / ثقافة / مرآة عاكسة لصورة آسنة.. في معترك البحث عن الذات

مرآة عاكسة لصورة آسنة.. في معترك البحث عن الذات

مرآة عاكسة لصورة آسنة.. في معترك البحث عن الذات

مرآة عاكسة لصورة آسنة.. في معترك البحث عن الذات

رؤية جمالية في رواية المرآة الآسنة لنسرين المؤدب

رزق فرج رزق

رزق فرج رزق|ليبيا

riziq2007@gmail.com

عند قراءتي لإحدى العتبات الأولى التي انتقتها الروائية نسرين المؤدب، بعناية في مستهل روايتها الصادرة حديثاً توقفت عند عبارة “ربّما نجد أنفسنا وربّما …” لم أستطع تجاوزها، وسألت نفسي : أليس جميعنا يخوض صراع البحث عن الذات لكن ما الفرق بين بحثنا في دهاليز الحياة في السوق اليومي، وبين البحث فينا عن صور أخرى تشبهنا ربما نجد الذات، وربما تتجلى انكساراتنا في الفضاء الأبيض (….) كما أرادتها المؤدب في (المرآة الآسنة).

الروائية التونسية نسرين المؤدب

المرآة الآسنة إصدار جديد للأديبة نسرين المؤدب عن دار نقوش عربية أزدهر به  معرض تونس الدولي في نسخته الــسابعة والثلاثين، لم تكن مجرد غلاف بلغة منمقة لغرض النشر الذي تعج به الساحة الثقافية العربية هذه الفترة، ولكن جاءت مشحونة بالأحداث و التفاصيل التي تجسدت لها الذات الضائعة في معترك الحياة في صور تشبهنا فعلاً ونحن نرتدي ثيابنا كل يوم.

كان من الممكن أن تسقط القطع التي نتوارى خلفها، لتنعكس الصورة المزعومة بأكذوبة إن الانسان كان عارياً.

المرآة الآسنة جاءت في قوالب متعددة أرادت أن تقول علينا أن نعيش رحلة البحث عن الذات وربّما (…..)، لم تقل المؤدب كل شيء بل أتاحت لنا بكل ثقة مشاركتها التأمل، وربّما تحديد مصير صوراً أخرى تشبهنا في رحلة البحث تلك. وأن كانت تعترينا الحيرة.

غلاف رواية (المرآة الآسنة)

رافقتني العتبة الأولى المنتقاة بعناية في كل أجواء الرواية مدعومة بسلاسة لغة و سهولة المفردات التي تبدو مرآة آسنة لتعكس لنا صورة جميلة رغم الوجع عن سعة ثقافة مبدعتها، فهي مقتدرة تسيطر على أدواتها بقوة تكسر المألوف وتتمرد على المعهود لترسم لنا بتأمل زمكنة الأحداث لتترك أثراً فينا، و تعيد تشكيل المعاناة في تجربتها الروائية “المرآة الآسنة”.

 

العنوان قالب مكتمل الرؤية بحد ذاته فيه من الرمزية ما فيه، كونه مشحون بمعان ذات أفق شاسع يمكن أن يحتمل الكثير من خيوط العمل الروائي، فالمرآة ما يرى فيها الناظر نفسه، و تعود لغوياً إلى الفعل رأى، وفي فلسفة المعنى يُقال :  (تخبر عن مجهوله مرآته) ظاهره يدل على باطنه، بينما اقترانه بـ: “الآسنة”  لها دلالة عميقة المعنى سيتجلى معناها في تجميع الخيوط التي رمتها المؤدب في عملها الإبداعي هذا، ونقترب من مشاهد تعكسها لنا مرآة الحياة من خلال جدلية الانعكاس والصورة.

تمهرت المؤدب في توظيف صور حياة الأنثى والمعاناة من خلال قطع نجمت بها الرواية التي لم تكن كتلة واحدة، ومن عديد المشاهد وأسئلة الرواية نأخذ -للتمثيل لا الحصر- هذه اللوحة من القطعة الثانية :”قال : لو أخذت احدكم على حدة في مطعم أو على البحر ثم سألته سؤالاً بسيطاً : من أنت؟ تخيل مثلا لو كنت أنت من توجهت إليه بالسؤال .. فكر قليلاً كيف ستجيب؟ “

هي نقلة نوعية تمكنت الروائية أن تضعنا أمام سؤال نحلق به بهدوء في فوضى دواخلنا و ضجيج معاناتنا، و تنبهنا بكم الأسئلة : “أنت هناك، أيها القابع في الركن، هل لديك إجابة؟”

بطبيعة الحال الإجابة ليست مهمة، بقدر أهمية اختلاف المحكي في رحلة البحث عن الذات، وربّما (…..) تضعنا الفكرة أمام البحث عن صور أخرى تشبهنا، المقتدرة نسرين المؤدب فجرت الكلمات في مواضع عديدة تعطي انكساراتنا أمام الأخر لمحة آسنة تلتقطها لنا المرآة وتجعلنا أمام اختبار الثقة (ابتسم هازئاً/ استرسل شامخاً/ وأردف متباهياً)   ربّما نتعلم الاستمرار في المحاولة، “لكنه ضحك ساخراً” يا لهذا الجمال الذي تجسد له الحلم حتى سقطت كل القطع، وتعرّت، جمعت المؤدب الخيوط التي رمتها مع أسئلة الرواية في ست قطع تشكلت بها الرواية لتضعنا أمام عمل إبداعي يستحق القراءة.

 يعتريني هاجس أن يكون المطبخ هو الثكنة الأمثل للمرأة، لكن غيرت بتغيّرها النمط السائد من خلال هذا الأفق القابل لكسر قاعدة قدسية المكان الأمثل وقوقعة التسلط المجتمعي ذا الطابع الذكوري.

“المرآة الآسنة” سلكت أسلوبا حديثاً وتقنية كتابة غير تقليدية، بأدوات مقتدرة للمبدعة التونسية نسرين المؤدب التي سيكون لها شأن في عالم الرواية، وأن كنتُ منحازاً لهذا اللون من السرد، فالمحكي دائماً يستوعب تناغم الذائقة الإبداعية و يمنح مساحة كبيرة للفكرة.

مرآة عاكسة لصورة آسنة.. في معترك البحث عن الذات رؤية جمالية في رواية المرآة الآسنة لنسرين المؤدب رزق فرج رزق|ليبيا riziq2007@gmail.com عند قراءتي لإحدى العتبات الأولى التي انتقتها الروائية نسرين المؤدب، بعناية في مستهل روايتها الصادرة حديثاً توقفت عند عبارة "ربّما نجد أنفسنا وربّما ..." لم أستطع تجاوزها، وسألت نفسي : أليس جميعنا يخوض صراع البحث عن الذات لكن ما الفرق بين بحثنا في دهاليز الحياة في السوق اليومي، وبين البحث فينا عن صور أخرى تشبهنا ربما نجد الذات، وربما تتجلى انكساراتنا في الفضاء الأبيض (....) كما أرادتها المؤدب في (المرآة الآسنة). المرآة الآسنة إصدار جديد للأديبة نسرين المؤدب عن…
تقييم المستخدمون: 4.8 ( 2 أصوات)

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

منعطفات الجريمة المنظمة الجامحة

*الايرلندي /2019/ لسكورسيزي: منعطفات الجريمة المنظمة الجامحة ضمن النسيج السياسي الأمريكي بعيدا عن الشعور بالذنب: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *