أبناء البحر في المغرب: الصيف للعمل لا الاستجمام
28 يوليو 2017/ العربي الجديد
ينتظرون فصل الصيف بفارغ الصبر، ليس بغرض الاستحمام والسباحة فلا وقت لديهم لذلك، وإنما لفرص العمل التي تنتعش خلال هذا الموسم في المغرب.. رجال كثيرون وقاصرون وشباب في مقتبل العمر، قرروا أن يحاربوا شبح البطالة بالتوجه إلى البحر.
رحلتهم اليومية تبدأ في الساعات الأولى من الصباح، وجهتهم شواطئ المملكة المختلفة، وقاسمهم المشترك المدخول الإضافي الذي تدرّه الأنشطة غير المهيكلة. منهم من يدقّون المظلات “البراسولات” في الرمال الذهبية ويثبتون الكراسي البلاستيكية، ومنهم حراس السيارات، وبائعو المشروبات والمثلجات ممن تأبطوا ثلاجاتهم الباردة وأسلموا أقدامهم للشمس الحارقة يقطعون الشاطىء جيئةً وذهاباً وهم يتعقبون الزبائن.
منهم من يخاطب أفواج المصطافين القاصدين البحر: “سيدي، سيدتي شمسية جيدة، كراسٍ، كل ما تحتاجونه، والمكان عائلي”، وآخرون استلوا حناجرهم لعرض سلعهم المختلفة وجلب أكبر عدد من الزبائن إليهم.
“عبو” واحد من أبناء البحر كما اختار أن يطلق على نفسه، ذو بشرة قمحية زادتها أشعة الشمس سمرةً. احترف العمل عند شاطئ عين الذئاب بمدينة الدار البيضاء (كبرى مدن المغرب) منذ عام 1996، أي منذ أن أصبح قادراً على عدّ النقود، كما يشرح.
يقول لـ “العربي الجديد”: “أعمل في كراء الشمسيات والكراسي للمصطافين، خلال كل موسم صيف، وأتمكن بما أجنيه في هذه الفترة من تغطية مصاريف الدخول المدرسي لأبنائي الأربعة”.
يتابع “أنا ابن البحر، وأحب هذه المهنة، فمدخولها اليومي لا بأس به ويتراوح بين 100 و150 درهما، لكن لا ينبغي أن ننسى أنها وجدت بالأساس لخدمة المصطافين الذين يختارون البحر فيجدون مظلات تقيهم الحرّ وكراسي للراحة وكل ما يحتاجونه لقضاء يوم ممتع، بثمن رمزي يتراوح بين 15 و20 درهما للمظلة الواحدة، و5 دراهم للكرسي الواحد”.
ويلفت عبو إلى أن حبه للبحر هو الذي يجعله يجدد اللقاء به كل موسم ويترك ومهنته الأصلية (لحّام) التي يعيل بها أسرته.
غير بعيد عن محيط عبو، يتوقّف بجسمه النحيل الذي أثقله بالألعاب ولوازم السباحة، فيتحلّق حوله الأطفال ويسألونه عن ثمن هذه الكرة وتلك الصدرية، فيجيبهم بـ”دهشة” تكشف أنه حديث الالتحاق بالبحر. إنه طالب لا يتجاوز 15 سنة، اختار أن يعمل في البحر لإعالة نفسه وأسرته.
قول لـ” العربي الجديد”: “هذا عامي الأول في البحر، اخترت أن أبيع الألعاب للأطفال ولوازم السباحة، لأساعد أمي وإخوتي، وأوفر بعض المال للدخول المدرسي”. ويلفت إلى أنه يبدأ عمله في التاسعة صباحا ولا يغادر إلا بعد أن يبيع كل ما في حوزته، بل ويضطر أحياناً إلى التنقل على أكثر من شاطئ واحد، إن اقتضت الحاجة ذلك.
وبرغم الدهشة الأولى، إلا أنه أظهر لاحقاً مهارة واضحة في التفاوض مع زبائنه الصغار وتمكن من بيع بعض ألعابه لهم، لكن المشهد لا يكتمل بالنسبة له إلا عندما يبيع كل سلعه.
وعكس تجربة هذا القاصر الفتية مع مهن البحر، فإن “عمو الزاكي” بائع المثلجات، يفاخر بأنه قضى أكثر من 20 سنة، في هذه المهنة. صال وجال في مختلف شواطئ المملكة، وساعده هذا العمل الموسمي في الحفاظ على جسم رياضي خال من الأمراض وقد تجاوز الخمسين من عمره.
يقول لـ “العربي الجديد”: “الصيف للرواج التجاري، وفي كل حركة بركة، ولهذا فرغم سني إلا أنني اعتدت على القدوم إلى البحر من أجل بيع المثلجات التي يزداد عليها الإقبال بالنظر لدرجات الحرارة المرتفعة، وخاصة من طرف الأطفال”.
ويتابع: “هذا العمل جيد، فيه كدح ومتعة أيضا، نقضي اليوم في البحر مع الناس، نبيع ما تيسر من سلعنا، ويختلف مدخول كل يوم، لكن القناعة موجودة ولله الحمد”. ويشير إلى أن ثمن المثلجات يتراوح بين درهمين وعشر دراهم.
يؤمن “أبناء البحر” بفكرة الخلاص المؤقت من الفقر واستغلال أي فرصة للكسب الحلال مهما كان حجمها. هذا ما يؤكده شاب لم يتجاوز الـ 17 من عمره، لـ “العربي الجديد”، إذ قصد البحر، ليعمل مساعداً في كراء المظلات وتعلم أسرار هذه المهنة.
يقول: “أتعلم كل يوم ممن سبقوني وفي نفس الوقت أتقاضى مدخولاً على جهدي، لدي أيضاً عطلة يوم الجمعة للسباحة، أما خلال الأيام العادية فإنني أعود إلى مقاعد الدراسة”.
ويوافقه في الرأي حارس السيارات، معاذ البالغ من العمر 27 سنة، الذي يؤكد أن ما يشجعه على هذا العمل الصيفي هو ما يجنيه يوميا من مال، رغم المضايقات والتحرشات. ويضيف: “صحيح أننا لا نعرف للصيف مذاقا، لكن هذا قدرنا، وقد يتغير يوما”.
وفي ظل غياب إحصائيات ودراسات عن هذه المهن الموسمية غير المهيكلة التي تنتعش خلال الصيف في المدن الساحلية أو الجبلية، يوضح الأستاذ الباحث في علم الاجتماع علي شعباني أنها تساعد ممارسيها في الخروج من بوتقة البطالة وإعانة أنفسهم وأسرهم، بالنظر إلى أنها تدر عليهم دخلا متوسطا بسيطا يكفي لمدة ثلاثة أشهر أو أربعة.
ويؤكد شعباني لـ”العربي الجديد”، أن كل أبناء الفقراء يشتغلون صيفا، بالنظر لحجم الرواج التجاري وبحث هؤلاء الشباب عن مورد للزرق. ويقسمهم إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى التي تدفعها الحاجة لمواجهة المصاريف المختلفة وتغطية بعض الحاجيات، خاصة الدخول المدرسي، والأعياد. والفئة الثانية التي تسعى إلى مساعدة أهلها أو تخفيف بعض الأعباء عنهم وقد يجبر بعض الآباء أبناءهم على العمل. وهناك فئة ثالثة تجمع في هذه الأنشطة بين المتعة والفائدة، كون أفرادها ينتقلون من مدنهم الأصلية أو قراهم إلى البحر، للاشتغال في أنشطة تدر عليهم مداخيل وتساعدهم على قضاء عطلتهم بشكل مريح وإيجابي.
ولا يخفي شعباني المخاطر المحدقة بهذه الأنشطة بالنظر إلى كونها غير مشروعة، مشيراً إلى المضايقات التي قد يتعرض لها أصحابها من القوات المساعدة والسلطات والمارة، فضلاً عن التحرشات، والتي تتضاعف أكثر لدى القاصرين في هذه المهن.