إيطاليا تعيد اللاجئين قسراً إلى اليونان… في صناديق معدنيّة
مناهل السهوي – كاتبة وصحفية سورية
يتصاعد العنف ضد طالبي اللجوء في أوروبا، حد وضعهم في صناديق معدنيّة وتكبيلهم وترحيلهم من إيطاليا نحو اليونان في انتهاك واضح لحقوقهم وللاتفاقيات الدوليّة
كتب طالبو اللجوء أسماءهم على جدران الحمام، حيث كانوا محتجزين على متن إحدى السفن الإيطالية، خُطّت الأسماء والتواريخ بلغات مختلفة. هي ليست مجرد أرقام، هي أحلام مهاجرين من دول منهكة ومدمّرة كسوريا والعراق وأفغانستان، أحلام بحياة جديدة تكسرّت على شطآن إيطاليا وفي موانئها، إذ أعيد من فرّوا من بلدانهم مكبّلين ومحبوسين في صناديق على متن سفن نقلٍ للركاب.
هي ليست المرة الأولى التي تُكشر فيها إيطاليا عن أنيابها ضد “الهاربين” من جحيم بلدانهم، إذ رفضت موانئها عام 2022 استقبال سفينة محمّلة باللاجئين، أما خفر السواحل، فينقذ من ينقذه ما إن يدخل المياه الإقليمية الإيطاليّة، أما من هم في المياه الدوليّة، فمصيرهم للبحر وقدرتهم على النجاة.
طبقة سفلية للاحتجاز
نشر موقع lighthouse reports تقريراً يحوي أول دليل مرئي يثبت إعادة إيطاليا طالبي لجوء قسراً إلى اليونان من موانئ البحر الأدرياتيكي الإيطالية مثل البندقية وأنكونا. ما يحصل ببساطة، هو حرمان طالبي اللجوء من حقهم باللجوء حين وطئهم الأراضي الإيطاليّة، إذ يُحتجزون في الميناء ثم على متن السفن، ليعادوا بعدها قسراً إلى اليونان. رحلة العودة تكون في “سجون” على شكل صناديق معدنية وغرف مظلمة داخل سفن الركاب المتّجهة من إيطاليا نحو اليونان.
تتبع فريق موقع lighthousereports، معلومات طالبي اللجوء والأوصاف التي ذكروها عن أماكن احتجازهم، وتمكنوا بالفعل من تأكيد هذه المعلومات، فعلى سفينة تجارية تدعى Superfast I، حُبس الناس في المرآب ضمن ظروف شديدة الصعوبة وسط حرارة خانقة من دون طعام، إذ لا يمنح الشخص سوى عبوة ماء.
لا شيء في تلك الصناديق/ السجون سوى قطعة من الورق المقوى على الأرض، ويبدو أن المحتجزين حاولوا الكتابة بالتراب على جدار الصندوق المعدني وفق الصور التي توثّق رحلتهم، ترافق هذا الدليل مع تأكيد طواقم السفن أن هذه الأماكن كانت تُستخدم لاحتجاز طالبي اللجوء الذين أعيدوا إلى اليونان. ويذكر أن بين المعتقلين أطفالاً، إذ تأكد فريق التحقيق من ثلاث حالات انتهت بإعادة أطفال قسراً .
تنامي التطرف حول العالم والكوارث الطبيعية واشتعال الحروب، يعني أن أزمة اللجوء حول العالم لن تكون أمراً طارئاً.
يأتي هذا التقرير ليكشف لنا، أنه حتى أكثر الدول التي تنادي بحقوق الإنسان، تؤدي دوراً في زيادة بؤس طالبي اللجوء، بمن فيهم من الأطفال والنساء،، إذ نقرأ في التقرير: “بينما يحتسي المصطافون البيرة الباردة والكوكتيلات على سطح العبّارة الوضع مختلف تماماً في الطابق السفلي، يوجد في أحشاء هذا الإناء المعدني أناس، بمن فيهم أطفال، مقيدون بالسلاسل ومحبوسون في أماكن مظلمة رغماً عنهم”.
قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2014، بعدم قانونيّة إعادة إيطاليا طالبي اللجوء، وحرمانهم من فرصة تقديم طلب الحماية، وعلى رغم ادعاء إيطاليا بأن هذا الكلام عارٍ عن الصحة، إلا أن التقرير يثبت بشكل قاطع أن هذه الممارسات ما زالت موجودة حتى اليوم.
هل الاتحاد الأوروبي شريك في هذه الانتهاكات ؟
تستطيع إيطاليا بموجب اتفاقية “إعادة القبول” الموقعة عام 1999 بينها وبين اليونان، إعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا من اليونان إلى البلاد، في المقابل يُمنع تطبيق هذا القانون على طالبي اللجوء. لكن هذا لم يمنع الحكومة الإيطالية من القيام بعمليات احتجاز تعسفية وحرمان طالبي اللجوء من حقوقهم، ووضع بعضهم في “مواقع سوداء”، التعبير الذي يشير إلى مراكز احتجاز سرية، يوضع فيها اللاجئون قبل إجبارهم على العودة.
في هذا الإطار، كشفت تقارير “لايت هاوس” أن قوات الأمن على طول حدود الاتحاد الأوروبي، وتحديداً في بلغاريا والمجر وكرواتيا، استخدمت مرافق سرية لاحتجاز من يلتمسون اللجوء قبل ترحيلهم بشكل غير قانوني، إذ يُحتجز اللاجئون لأيام في ما يشبه الأقفاص، ولساعات في شاحنات مكتظّة ومرتفعة الحرارة.
الخطير أن هذه المواقع ليست معزولة، بل هي جزء من “نظام”، بعضها مموّل من الاتحاد الأوروبي وتُشغّل على مرأى من ضباط تابعين لوكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي، الذي قدم مبالغ مالية إلى سلطات الحدود المسؤولة عنها، إذ تلقت بلغاريا 320 مليون يورو في السنوات الأخيرة، وكرواتيا 163 مليون يورو والمجر 144 مليون يورو، وكشف تتبع مسارات الأموال عن ارتباط تمويل الاتحاد الأوروبي مباشرةً بالاعتقال السريّ وعمليات الإعادة الموثّقة.
يشير ما سبق إلى تناقض صادم، بين ما يحاول الاتحاد الأوروبي تصديره عن حقوق الإنسان وحق كل شخص في العيش بكرامة وأمان مادي ونفسي، وبين تصرفاته على أرض الواقع التي تشي بمحاولات للتحكم بتدفق طالبي اللجوء وانتهاك حقوقهم.
ازدياد أعداد اللاجئين رغم الصعوبات
شهد العدد الإجمالي للاجئين المسجلين حول العالم ارتفاعاً عام 2022 بنسبة 24 في المئة عن 2021، وبحلول منتصف عام 2022، استضافت تركيا 3.7 مليون لاجئ، متصدّرة دول العالم كافة بعدد اللاجئين الذين تستضيفهم دولة واحدة، بينما أتت كولومبيا في المرتبة الثانية باستضافتها 2.5 مليون شخص، وأصبحت ألمانيا في المرتبة الثالثة بين البلدان المضيفة لأكبر عددٍ من اللاجئين عالمياً باستضافتها 2.2 مليون لاجئ.
ووفق “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، ارتفع عدد الأشخاص المجبرين على الفرار من ديارهم كل عام على مدار العقد الماضي، ليبلغ أعلى مستوى له منذ بدء العمل بالسجلات، وهو عدد لا يمكن خفضه إلا من خلال إعطاء دفعة جديدة ومنسقة نحو صنع السلام، ما يعني زيادة الضغط على اللاجئين وتعريضهم لمزيد من أشكال سوء المعاملة والإعادة القسرية.
تنامي التطرف حول العالم والكوارث الطبيعية واشتعال الحروب، يعني أن أزمة اللجوء حول العالم لن تكون أمراً طارئاً، فيما لم تبدأ الدول الكبرى في وضع خطط جدية وواقعية لإحلال السلام ودعم الدول الأكثر ضعفاً.