الأستاذ محمد الصادق عبد اللطيف أديب تونسي له أعمال أدبية عديدة في التاريخ والحضارة والخط العربي وأعلام أدبية وسياسية.. تفوق العشرة كتب إلى جانب المقالات والدراسات وبعض المخطوطات.. وبعض إنجازاته نشرت في عدة بلدان عربية مثل المغرب، ليبيا، الجزائر، مصر، الكويت، السعودية، البحرين ، الأردن، الشارقة ومن البلدان الاوروبية لندن وبالطبع تونس الوطن.. الأديب محمد الصادق عبد اللطيف من مواليد 1936 بمدينة قليبية من ولاية نابل من البلاد التونسية وقد تخرج من الجامعة الزيتونية وأكمل تخصصه في علم النفس التربوي بدار المعلمين العليا كما أُرسل في بعثة إلى جامعة بول فاليري بمونبلي بفرنسا للتخصص في تقنيات التنشيط البيداغوجي… بهذا الحوار الجعفري أردنا ان نشعل فوانيس أكثر على هذه القامة الأدبية والمعرفية فوجهنا إليه هذه الأسئلة لتقريبه للقرّاء أينما كانوا ولمعرفة المزيد عن إبداعاته وانجازاته الأديبة
حاورته: سونيا عبد اللطيف – تونس مارس 2021
- س : من يكون محمد الصادق عبد اللطيف إلى جانب ما ذكرناه؟
- ج: أنا تونسيّ من مواليد 14 /05 /1936 بمدينة قليبية الزاهرة مدينة الجمال والفنون والتاريخ والآثار .. ترجع أصولي الأولى إلى جدي التركي المقيم في برج قليبية ضمن الحامية التركية. من طائفة رضوان أوضا باشا يارنه عوضا عن وَردي.. ختمت القرآن من الكتّاب بعد أن حالت دوني ظروف الحرب العالمية الثانية حيث كان في الحسبان الانخراط في التعليم الحديث.. وحين كان هذا الحدث قائما التجأت العائلة إلى بعثي للكتّاب لحفظ القرآن وبعد انتهاء الحرب لم يعد هناك إمكانية التسجيل المدرسي بحكم السنّ فانتسبت للتعليم الزيتوني خريف 1949 وثابرت للفوز بالشّهائد الزّيتونيّة الأهليّة 1953 والتّحصيل في العلوم 1957/1956 والعالميّة في الأدب 1960.. كانت ظروف توحيد التّعليم والضّغط على الزّواتنة من طرف وزير التربية جعلتني أختار الانخراط في سلك المعلّمين قهرا وواصلت التّعليم الجامعي في دار المعلمين العليا اختصاص علم النّفس التّربوي وأثناء ذلك أُرسلت في بعثة تخصّصيّة بجامعة بول فاليري من مدينة مون بيليي بفرنسا للتخصّص في تقنيات التّنشيط البيداغوجي وأنا في خطّة مساعد بيداغوجي بدار المعلمين العليا بقربة، أشرف على تكوين المعلمين المتربصين وتدريس مادة الخط العربي في السنتين الثانية والثالثة (نظري وتطبيقي) لمدة ستة عشرة سنة وأخيرا وبعد العبث بالتعليم 1990وآل المجهول بدور المعلمين في طريقة التكوين البيداغوجي (التطبيقي) للمعلم المتربص والذي فيه الفشل التام، غادرت المهنة لتولّي مسؤولية إدارة مدرسة لمدة سنتين وبعدها حصلت على التقاعد سنة 1954 والحمد لله
- س : أول إصدار لكم هو كتاب إطلالة عن تاريخ قليبية في العهد الحسيني سنة 1998 يعني عمرك حينها . بماذا تفسّر هذا التّأخير.. هل كنتم تنتظرون التّقاعد أم أنّكم كنتم تنشرون أعمالكم في مجلات وصحف… ؟
- ج : بدأت حياتي الأدبية وأنا في المرحلة التعليمية الوسطى بعد حصولي على شهادة الأهلية (بعد أربع سنوات).. ونشرت أوّل مقال لي في جريدة الإرادة عن استشهاد زميلي المرحوم* الدهماني حمزة * ربيع 1954 وبعدها تفتّقت القريحة إلى تجربة الشّعر وذلك بعد الإدمان على متابعة حصّة أسبوعيّة في الإذاعة *معاني الأغاني * كانت من تقديم محي الدين مراد، فكان منّي أن أرسلت له مقطوعة شعريّة أذيعت مساء يوم 16 /12/ 1954 أقول فيها: في فجاج الظّلام واريت آمالي وبؤسي بين ندب الحُبّ والأوهام في دنيا التأسّي أترعت قلبي الحيا صابّا وداست ما بكأسي وأذابت من لظاها فوق قلبي ذوب نحسي بعد ذلك حرصت على النّشر في الدوريّات (مشعل الشباب، الفكر، آفاق، أصداء الوطن القبلي، بلادي، الصباح، الإذاعة) وكانت هذه مناسبة شجّعتني على المضيّ قدما في الحضور الإعلامي فتكوّنت عندي ذخيرة تؤرخ لحياتي الإبداعيّة وكان عليّ بعد التّقاعد إخراج الأرشيف وجمع مقالات.. وجاء الإصدار الأوّل لإطلالة عن تاريخ قليبية، ما يعني التّقاعد المنتج..
- س: متى تفطّن محمد الصادق عبد اللطيف إلى نبوغه في الكتابة بالضبط، وما هو الجنس الأدبي الذي تناوله في البداية؟
- ج : لم أتفطّن بفعل فاعل إنّما وجدت تجاوبا مع القرّاء في البقاء منتجا أدبيّا وقد اخترت الأجناس الأدبيّة التّالية:الحقل التّاريخي، النّقد، الدّراسة، الحوارات، مع أعلام الفكر، والمحاضرات
- س : كانت لديكم محاولات شعريّة، لكنٍك لم تطلعها إلى النّور ولم تنشرها، ما سبب ذلك؟
- ج : إنّ تجربة الشّعر عندي هو من باب التّنويع والمداعبة وقد كان للملحق الثّقافي بجريدة الحريّة فضل نشر قصائدي وبعد رحيل القرن العشرين عدت لكتابة خواطري الشّعرية لمّا تجوس بنفسي هزّة ما فأكتب شعرا أحسب أنّه شعر فيه الرّنين والصّورة والإبداع فتكوّنت لديّ مجموعة سنة 1954 أطلقت عليها *دموع في الظلام * ولديّ قصيد نشر لي في بغداد وقد اتّصلوا بي راجين طالبين منّي الحضور في مناسبة القافية ولألقي نماذج من إبداعي الشّعري.. لكنّ الظّروف حالت دون ذلك..
- س : هل الإبداع والموهبة في الكتابة أو في مهارة فنيّة ما، هي وراثة أو تخلق مع الإنسان منذ طفولته، أم هي تُنمّى بالمعرفة والقراءة والصّقل والعناية…؟
- ج: الإبداع موهبة وزاد وذخيرة أدبيّة لابدّ أن تتوفْر في المبدع، الموهبة يدعمها امتلاك زاد ومعرفة واطّلاع كبير على الشّعر القديم والقراءة لأقطاب القلم مع الحرص على تنمية الثّقافة الشّخصيّة.. بكل هذا وذاك تتكوّن ملكة الإبداع فالإنتاج والحضور.. ..
- س : حضرتك مساهم بتراجم في معجم البابطين الشعراء العرب الأموات، مَنْ مِنَ الشّعراء والشّاعرات الذين تناولت الكتابة عنهم؟
- ج: مساهمتي بتراجم في معجم البابطين الشّعراء الأموات ق 20 مكّنني من تتبّع فطاحل الشّعراء من تونس وكان الفضل لأبي القاسم محمد كرو من اختارني للقيام بالتّرجمة لطائفة من أعلام تونس (حصدت 65 شخصيّة شاعريّة) والحمد لله وكان من ضمنها الشّاعرة خديجة الدرعي وزميلتي في الدراسة * زهيدة المؤدب* وهنّ شاعرات العكاظيّات البورقيبية (مقابل ظرف مالي لا يتعدّى 50 دينارا، وهو شعر ميّت لا روح فيه رغم أنّه وثّق فترة أدبيّة انتهت للأبد من تمجيد “سيّد الأسياد”
- س : بما أن حضرتك لديك اهتمام بالشّعراء والأدباء، مَنْ مِن الشّاعرات التّونسيّات أو العربيّات اللاتي عرفتهنّ عن قرب، وجذبتك تجربتهنّ في كتابة الشّعر، أو شجّعتهنّ على مواصلة الكتابة؟
- ج : عرفت من الشّاعرات العرب “فدوى طوقان” وكان في الحسبان أن ألتقيت بها في بلادها وكان الوسيط الدكتور عيسى الناعوري .. خلال سنة 1958، اكتشفت شاعرة تونسيّة في بدايتها هي “زبيدة بشير” ألقيت عنها محاضرة في الجامعة الزّيتونيّة بعنوان *زبيدة بشير شاعرة عرفها الجمهور من وراء الإذاعة وأثناء الإلقاء دخلت هي القاعة صحبة الصّديق مصطفى الفارسي لسماع ما كنت ألقيه وقد نقل وصفا المحاضرة المرحوم صديقي صالح القابسي وتمّ نشر المحاضرة في الإذاعة التّونسيّة (القسم الخارجي) بصوت الزّميل الشّاعر الجزائريّ الأخضر السّائحي وقد قمت في سنة 1965 بنشر المحاضرة في مجلّة آفاق (لسان اتّحاد كتاب المغرب) ثم نشرتها في ملحق الحريّة..
- س : ما هي أجمل ذكرى مازلت تحملها عن مشاركة لك في ندوة أدبيّة أو فكريّة أو مهرجان…؟
- ج: في كل مشاركاتي الأدبيّة داخل الوطن (في بيت الحكمة، في قدماء الصّادقية) أو في المنتديات المتعدّدة، في بغداد، في الأردن، في طهران، في الجزائر، في تونس، في المغرب.. أجد التّرحيب والتّشجيع وكلّها ذكريات الزّمن الجميل…
- س : هل المندوبيات الثّقافيّة ووزارة الثّقافة تهتمّ بالأديب والمفكّر والمبدع والفنّان بما يستحقّه ويليق به، أم أنّك تراه مهمّشا..؟
- ج : اهتمام المسؤولين الثّقافيين (الوزارة، المندوبات) تحكمها العلاقات الشّخصيّة وصعود أديب أو شاعر حيث يتربّع سنوات على المشهد الشّعري والأدبي وقيم انتقاء الرّديء وتشجيع الوزارة على الإصدارات محدود جدّا، أجهل قرّاء التّقويم والانطباع هو الحكم والتّحكيم..
- س : هل نال الأديب محمد الصادق عبد اللطيف حظّه وحقّه في الشّهرة في تونس والتّعريف بأعماله.. ؟
- ج : لست أستجدي تقديما يكفي أنّي أقدّم بعملي من منطق الحقيقة والصّدق وأقول لك ما به في إحدى محاضراتي :قدّمني الدّكتور محمد اليعلاوي (عميد كلية الآداب سابقا ووزير الثقافة الأسبق) وحضر من الوزراء محمد الصياح، البشير بن سلامة، عز الدين العباسي وجمهور من أعلام الثقافة والأصدقاء ومدير سابق للمكتبة الوطنية.. لم ينلني شرف التّكريم من طرف وزارة الثّقافة.. فالتّكريم يذهب لأصحابه أوّلا، والمندوبيات لا ترشّح إلاّ القريب منها وكتبي ال 16 الآن تشهد لي بالرّيادة فيما أنشر وأقوم به، حتى التّكريم المهني باهت وصنّاع الثّقافة عندنا جهلاء، أغبياء.. والبلديّة لا تعير الاهتمام لأهل الفكر والمبدعين، يكفي أن تعرف أنّ كتابي لرحلة المصحف الشريف إلى إفريقية هو أوّل تأليف تونسي يتناول هذه الرّحلة وأنا قمت بالتّأريخ وضمْنت مراحل الوجود.. حاضرت في بيت الحكمة مرّتين وفي قدماء الصّادقية إحدى عشر مرّة ، ومحاضرة في المغرب، ستّ محاضرات في الجزائر، في العراق محاضرتين، في الأردن خمس محاضرات، وصفاقس والمهدية ونابل ومنزل تميم وبنزرت وقليبية وقرنبالية والمنستير..
- س : لو لم تكن محمد الصادق عبد اللطيف المربّي، المرشد البيداغوجي الباحث في الخطّ العربي وتاريخ بعض المدن… من كنت تودّ أن تكون؟
- ج: كتبي متعدّدة الاختصاص فأنا من هواة الحضارة والتّاريخ والآثار وكان عليّ أن أخصّص الجانب الأوفر من إنتاجي الكتابي عن تاريخ قليبية حيث لي ثلاثة كتب عنها وكل ما أريده في تقديم البلد لدى المواطنين خلق ذائقة تاريخيّة للأجيال وبعد رحيلي الله أعلم من سيتولّى مادّة السّجل التّاريخي لمدينة قليبية..
- س : ماهو الشّيء الذي مازلت تطمح إليه ولم تنجزه بعد؟
- ج: كل ما أطمح فيه هو بقيّة إصداراتي المخطوطة لإخراجها.. لديّ عمل جاهز حول “فصول من تراث قليبية” وآخر عن الشّاعر “أحمد القبجي” موظّف تونسيّ في دولة القرامنليين في طرابلس وثالث بعنوان “السِّراج المنير” والقائمة تطول.. وعندي عمل جاهز بالاشتراك مع محمد عزيز الساحلي عن الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة وآخر عن العالم الشاذلي بن القاضي.. والدّوريات حبلى بإنتاجي : مجلات العربية، المجلة العربية، القافلة، الكويت، البحرين، الثقافة، مجلة التاريخ العربي في الرباط، المجلة الزيتونية، في رحاب الزيتونة، الهداية، المصير.. كلّها تحتلّ كتاباتي وأحتاج إلى متّسع من الوقت لإخراجها وتأليف كتب منها..
- س : بصفتك مهتمّ ودارس وباحث في تاريخ الخطّ العربيّ، لماذا لم تفكّر في بعث نادي للخطّ العربي بمدينتك قليبية لتعليم النّاشئة؟
- ج: بصفتي باحث ومؤرخ للخطّ في تونس ومدرّس سابق له، فكّرت في بعث بيت الخطّ العربي لكن للأسف لم أجد الإقبال، وقد رأيت موضعه العاصمة.. كما فكّرت أيضا في بعث نادي للخطّ في دار الثّقافة بقليبية وفي نادي الأطفال لكنّ الإقبال غير مشجّع .. فمات الحلم.. وما أطمح فيه، قد حقّقته، إصدار كتاب مرجعي تاريخي بعنوان “المقتطف من تاريخ الخطّ العربي وأعلامه في تونس”
- س : كيف ترى المشهد الثّقافي في تونس اليوم مقارنة لما كان عليه في الماضي، يسير نحو الأفضل أم العكس؟
- ج : المشهد الثّقافي في وطني قاتم، ليست هنالك خطّة ثقافيّة ثابتة والقادم مجهول الهويّة، حتّى الأحزاب ليس لها مشروع ثقافي أو مجلّة أو دوريّة لاستقطاب المبدعين حتّى يتنفّسوا أدبا ونقدا وشعرا.. دور الثّقافة مغلقة، روّاد الدّور ابتعدوا وهمّهم المشروع السْياسي وما كان بالأمس فيه كلام كثير والمجهول فيه الكثير من المفاجآت الغير سارّة وقلبي على وطني وعلى لغتي وإنتاج أصدقائي للأسف، ومشروع التّعليم هو الصّورة المظلمة لرجل الغد الأديب والشّاعر والنّاقد والباحث والمبدع… رحم الله أيّام زمااان…
- س : هل باستطاعتك أن تجود علينا بقصيد أو بعض المقاطع من كتاباتك الشّعريّة؟
- ج: جاهز، إليك بالقصيد العفويّ منّي للقرّاء والاصدقاء بعنوان ” عطاء الأيّام : لولاك يا ناجية لما أنجزت بالقلم * ولا عكفت على الإنتاج والأدب أعطيتِ القلم فسحة واسعة المدى * فكان إنتاجي من ثمار الفكر والرّتب حلمت بالحضور الفكريّ في وطني * فكان قلمي معطاء بلا ريب كتبي تشهد لي بالحضور هنا * وفي مشارق الأرض بأنّ لي رتبي ثلاثة بعد العَشرة هي مُحَصّلتي * من الإبداع عن وطني أيا كتبي آمنت بالقلم شريعة وتوهّجا * ترقى النّفوس إلى الأعلى بلا غضب في بيتي تخاطبني الكتب صباحا * طوبى لنفسي حين تعلّقت بالكتب .
- س : كلمة الختام، هل لديك شيء تودّ قوله لم نتطرق إليه في أسئلتنا؟
- ج: أودّ أن أُوفّق في نشر بقية كتبي وأنا محتار في حقّ مكتبتي ماذا ستفعل بها الأيّام.. أمامي خيار وحيد هو إهداؤها لدار الكتب الوطنية لتُحفظ هناك بعدي وهي مناسبة تدعوني إلى الانكباب على تكملة مشروعي (معجم أدباء الدّخلة، أي جهة الوطن القبلي من ولاية نابل) لضبط الأسماء والاختصاصات الأدبيّة وجمهرة الوجوه حتى يحفظ حقّهم التّاريخي علينا وقد قام الدكتور محمد البدوي بتدوين الحركة الشعريّة في ولاية المنستير وولاية سوسة.. شكرا لك على هذا الحوار والاهتمام.. هذا ما جاء في حواري مع الأديب ابن مدينة قليبية كتابيّا.. أرجو أني قد وفّقت في أسئلتي لأقدّم للقرّاء من خلال هذه الإجابات تعريفا شاملا وصورة عامة عن هذا الإنسان الأديب المبدع الذي لم تُوقفه السّنون عن البحث والكتابة للتّعريف بإبداعات غيره حبّا للقيم والمعرفة وعشقا في اللغة والإسلام والعروبة ولهذا البلد.