التجلّيات المعنويّة والإيقاعيّة لاسم فاطمة
فراس حج محمد/ فلسطين
اشتُهر اسم فاطمة في الشعر كثيراً منذ قال امرؤ القيس “أفاطمُ مهلاً بعض هذا التدلّل”[1]، ولعلّ امرأ القيس من أقدم الشعراء الذين ذكروا هذا الاسم في الشعر. ويمتاز الاسم بميّزات تمنحه الكثير من الشعريّة من ناحيتي المعنى والمبنى؛ فعلى سبيل المعنى يحمل الاسم معنىً إنسانيّاً عميقاً إذ يشير إلى الأمومة، والفاطمة هي التي تفطم ولدها عن الرضاعة؛ أيْ تقطعه عنها، كما جاء في المعجم الوسيط[2]، بمعنى أنها تؤهّله ليكون حرّاً مستقلّاً، كما أنّه يشير إلى علاقة أخرى في تطوّر مراحل الأمومة التي لا تقتصر على الرضاعة فقط مع أهمّيّة ذلك بلا شكّ، فثمّة متطلّبات أخرى للأمومة بعد الرضاعة ستقوم بها الأمّ الفاطمة، بحبّ ورغبة وحرص. كما أنّ المرأة الفاطمة هي امرأة شابّة، فكلّ امرأة يدرّ صدرها الحليب هي امرأة ناضجة بيولوجيّاً وشابّة، تفيض حيويّة وحياةً، وهذا يُكْسب المرأة الفاطمة التي كانت مرضعة سمات أنثوية في شكل الثديين وجمالهما والمحافظة على اشتداد لحمها بمعنى أنّه سيكون لها نهدان ممتعان فيهما كلّ ما يدعو للشهوة، لما سيصبح عليه ذانك النهدان من الاكتمال، عدا أنّ ذكر اسم “فاطمة” يستدعى في اللاوعي صورة ذينك “النهدين”؛ العضوين المشهورين اللذين لم يفلتا من فم رجل أو أصابعه، ولم يسلم من سطوتهما أيضاً رجلٌ ما؛ سواء أكان شاعراً أم لم يكن، فالاسم مرتبط ارتباطاً معنويّاً كبيراً بهما، وبوظيفتهما الحيويّة، للطفل وللرجل على حدّ سواء، وهذا ما حاولت إضاءته في مقالتي “أجمل ما في المرأة ثدياها”.
أمّا من ناحية المبنى فالاسم موسيقيّ بكل حالاته وتشكّلاته الصرفية المشتقّة منه أو المنبثقة عنه، ويحمل في بنيته اللغويّة إيقاعاً موسيقيّاً خارجيّاً وداخليّاً يعطي الأذن راحة عند سماعه ويعطي المنادي به راحة عند ترداده، وربّما من أجل هذه الموسيقى الظاهرة فيه، كثر عند الشعراء توظيفه رمزاً لكل امرأة محبوبة، كما هو الحال مع اسم “ليلى”، هذا الاسم المنافس بشدّة في حضوره لاسم فاطمة في المناطق الشعريّة والشاعريّة في قصائد الشعراء العرب. والاسم “فاطمة” من ناحية صرفيّة صيغ على وزن اسم الفاعل من الفعل الثلاثي (فطم)، لكنّه، أيِ الاسم، يكتسب معنى “الصفة المشبهة” في دلالته وحالته الواقعيّة. ويجمع الاسم على شاكلتين: فاطمات أو فواطم.
يتكوّن الاسم في بنيته اللغويّة من مجموعة أصوات تمنحه انسياباً خاصّاً، فالفاء صوت أسنانيّ شفويّ احتكاكيّ مهموس، متبوع بحركة طويلة (الألف)، والطاء صوت انفجاريّ مهموس مفخّم، والميم حرف شفويّ مجهور، والتاء في آخره انفجاريّ مهموس عند الوصل، تتحوّل عند الوقف إلى هاء، وهي صوت احتكاكيّ مهموس، وكلّ تلك الأصوات بهذا التصنيف الفيزيائيّ هي أصوات مرقّقة عدا صوت الطاء، كلّ ذلك يمنح الاسم موسيقىً منوّعة بين الهمس والجهر والاحتكاكيّة والانفجاريّة والترقيق والتفخيم، فقد اجتمعت في الاسم المميّزات الصوتيّة الأصليّة الموجودة في أصوات اللغة العربيّة، بالإضافة إلى الأصوات الصائتة بنوعيها (الحركات الطويلة والقصيرة).
لقد شكّلت تلك الأصوات بنية صرفيّة تتقاطع مع البنية العروضيّة “التفعيلة”، فصارتا صيغة واحدة، فالوزن العروضيّ للاسم هو (فا/ عِ/ لَ /تُ) في حال العلَمية و(فا/ عِ/ لَ /تُنْ) في حالة الصفة أو صرف الاسم (تنوينه) للضرورة، وهذه التركيبة الإيقاعيّة في الاسم على هاتين الشاكلتين تستوعبهما بحور شعريّة كثيرة، ففي الحالة الثانية (ـــ ب ب ــ) تتحوّل التاء الأخيرة وتندمج صوتيّاً في بنية الاسم الثاني التالي له مباشرة، إذ لا يكون الاسم هكذا (ـــ ب ب ب // فا/ طِ/ مَ/ ـةُ// فاعِلَتُ) إلّا في حالات قليلة من بحر الرجز، وربّما جاء قافية ساكنة فيصبح عروضيّاً على هذا النحو: (ـــ ب ـــ//فا/طِ/مَهْ//فاعلنْ)، ومن مجئيه في الشعر كاملاً “حشواً”[3]قول نزار قبّاني[4]:
يا فاطمةَ ساحة الكونكورد
يا فاطمة الفاطمات
أيّها السيف المرصّع بأجمل الآياتْ
وعلى الرغم من عدم انتظام البحر في هذه القصيدة إلّا أنّ إيقاع الجمل واضح، وقد جاء الاسم (فاطمة) في السطر الأوّل كما بيّنته آنفاً في الحالة الأولى (ــ ب ب ب//فا/طِ/مَ/ـةَ)، وانكسر توالي المقاطع القصيرة في الاسم نفسه في السطر الثاني؛ لأنّه أضيف إلى ما هو معرّف بأل (فاطمة الفاطمات)، فاندمج المقطع القصير وذاب مع أل التعريف ليصبح مقطعاً طويلا في (فاطمة الْـ/ ـــ ب ب ــ فا/ طِ/ مَ تُلْ).
ولا يتوانى نزار قبّاني في هذا النصّ عن أن يستفيد من إيقاع هذا الاسم، فيوظّفه مفرداً ومجموعاً جمع مؤنّث سالماً كما في المقطع السابق، وكرّر الاسم في بداية مقطعين، وهما الرابع والعاشر، ففي المقطع العاشر يترك السطر للاسم ليمنحه إيقاعاً منفرداً، موقوفاً عليه مع إمكانيّة إطالة النفس عند القراءة بفعل الهاء المهموسة الاحتكاكيّة، وكما بيّنتُ أعلاه في إحدى حالات الاسم، تحمل تاؤه علامة السكون، ليتحوّل إيقاعيّاً ووزنيّاً إلى (فا/ طِ/ مَهْ ـــ ب ـــ) وتترجم في لغة العروض العربيّ إلى (فاعِلنْ):
يا فاطمةْ…
يا ذات الشفتين المعطرتين بحَبّ الهال والقدمين المرسومتين بالأكواريل
هذه الحالة الكاملة من حضور الاسم عند الشاعر نزار قبّاني، وجدت عند الشعراء العرب، قديماً وحديثاً، وذكرها الشاعر الأموي جرير بقوله[5]:
ألا حيِّ الديار بسعدَ إنّي
أحبّ لحبّ فاطمةَ الديارا
فقد جاء الاسم في سياق البحر الوافر، كما أنّه قد يأتي بسياق البحر الطويل أو البحر الرمل أو الكامل أو الخفيف، أو غيرها.
أمّا الحالة الثانية من حضور الاسم في الشعر، حضوره منادىً مرخّماً؛ أيْ محذوف الحرف الأخير، فيصبح الاسم فاطمُ أو فاطمَ كما فعل المرقّش الأصغر، وكان اسم حبيبته فاطمة، فجعله مرخّماً مع ألف الإطلاق في البيت الأوّل من قصيدة ميميّة له، يبدؤها بقوله[6]:
ألا يا اسلمي لا صُرْم لي اليوم فاطِما
ولا أبدا ما دام وصلك دائما
ففي هذا البيت يوظّف الشاعر الاسم في بداية القصيدة، جاعلاً الاسم قافية لصدر البيت الأول، محقّقاً ما عرف بالتصريع الذي كان يلجأ إليه الشعراء في بداية القصيدة ليُنبِئوا عن قافيتها، وبذلك يكون المرقّش قد استفاد من إيقاع الاسم مرّتين، مرّة بحضوره في بنيته الصرفيّة الإيقاعيّة، ومرة أخرى بجعله مصرّعاً، وفي الحالتين جعله ركناً أساسيّاً في القصيدة؛ فبنى القافية عليه، فلم يجعله عروضاً في البيت الأوّل، وضرباً في بيت آخر وحسب، بل عاد ووظّف الاسم مرّة أخرى في تفعيلة عروض البيت السادس عشر في قوله[7]:
ألا يا اسلمي بالكوكب الطلق فاطما
وإن لم يكن صرف النوى متلائما
وإنْ رأى شارح الديوان أنّ “فاطما” في البيت الأوّل ترخيماً[8]والألف للإطلاق من أجل القافية، فلا يبدو أنّ هذا التعليل يسعفه هنا، لأنّ البيت ليس موضع تصريع كالبيت الأوّل، وقد سكت عنه ولم يعلّله، فهل اكتفى بالتعليل الأوّل؟ في ظنّي لجأ الشاعر إلى ممكن لغويّ آخر، يتيح له قلب التاء، وهي حرف زائد للتأنيث فيحلّ محلّها الألف، فالألف أيضاً زائدة والتاء زائدة، وكلاهما يكونان علامة للتأنيث، عدا أنّه لا التباس في كون الاسم يدل دلالة قاطعة على تلك المرأة التي تحدث عنها سابقاً. ولعل الشاعر أجراه على أحد مذاهب العرب في التعامل مع تركيب “يا أبتاه”، ويا “بن أمّ”، فللغويين والنحاة قول كثير ومتشعّب في هذه المسألة.
ويُتبع الشاعر هذا البيت ببيتين آخرين يذكر فيهما اللفظ “فاطما”، وهما البيتان السابع عشر والثامن عشر[9]:
ألا يا اسلمي ثم اعلمي أنّ حاجتي
إليك، فَرُدِّي من نوالكِ فاطما
أفاطمُ لو انَّ النساء ببلدةٍ
وأنت بأخرى لا تَّبَعْتُك هائِما
وبهذا يكون الشاعر قد وظف الاسم ثلاث مرّات متتابعة في ثلاثة أبيات، وفي هذا أيضا تأكيد لحضور الاسم معنويّاً وإيقاعيّاً والاستفادة من كلّ تلك الممكنات اللغويّة التي تجعله حاضراً، ففي البيت السابع عشر جاء اللفظ “فاطما” قافية، ونقله من العلَمية على المرأة المحبوبة إلى الوصف “فاطماً”، مشيرا إلى حاجته لها، ومدى تلك العلاقة التي تربطه بها، وكأنّه هو المفطوم الراجي نوال مَن فطمته. ثم يستخدم الاسم “فاطمُ” مرخّماً، في البيت الآتي، وكّل ذلك جاء في بنية البحر الطويل.
ربّما أشار اسم فاطمة رمزيّاً في الشعر إلى مرحلة من مراحل الحبّ، تلك المرحلة التي يبتعد فيها المحبّان، فتوظيف هذا الاسم رمزيّاً يشير إلى حالة المرأة الهاجرة، لتفطم المحبّ عن طقوس الوصال وتبعده عنها مجازاً وحقيقةً، كأنها تفطمه كما يُفطم الطفل، فتقطعه، وهذا هو أصل المعنى اللغويّ للاسم. لعلّ هذا المعنى هو ما يجعل للاسم حضوراً عند الشعراء الذين يعانون من الهجر وناره، تلك المعاناة التي تحدّث عنها امرؤ القيس، فكتب بألم العاشق الموجوع:
أفاطِمُ مهلاً بعض هذا التدلُّل
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
وقد أشار المرقّش أيضاً في قصيدته السابقة التي أشرت إليها إلى القطيعة، مستخدماً اللفظ نفسه “الصرم”، على الرغم من أنّ المرقّش لا يستسلم استسلام امرئ القيس، لهذه القطيعة، لذلك فهو مستعدّ أن يلحق بها ويترك كلّ النساء:
أفاطم لو انَّ النساء ببلدةٍ
وأنت بأخرى لاتَّبَعْتُك هائِما
وللشاعر المثقّب العبدي أبيات في القطيعة بينه وبين فاطمته، يبدو فيها مختلفاً عن صاحبيه؛ المرقّش وامرئ القيس، يطالب حبيبته أن تمتّعه، أي تودّعه وتسلّم عليه قبل أن تبين وتبتعد، وأن تفي بوعدها في ذلك، يقول[10]:
أَفاطِمُ قَبلَ بَينِكِ مَتِّعيني
وَمَنعُكِ ما سَأَلتُكِ أَن تَبيني
فَلا تَعِدي مَواعِدَ كاذِباتٍ
تَمُرُّ بِها رِياحُ الصَيفِ دوني
فَإِنّي لَو تُخالِفُني شِمالي
خِلافَكِ ما وَصَلتُ بِها يَميني
إِذاً لَقَطَعتُها وَلَقُلتُ بِيني
كَذَلِكَ أَجتَوي مَن يَجتَويني
ربّما بدا الشاعر كما يظهر في البيت الأخير غير مبالٍ، يجازي القطيعة بمثلها، فهو يجتوي من يجتويه، ويفارق من يفارقه، وهذه صورة من صور العشاق غير مألوفة في الشعر العربي عموماً، فثمّة فرق بين قطيعتين؛ قطيعة فاطمة للمرقش، وقطيعة فاطمة للمثقّب العبدي، واختلاف كبير في موقف كلا الشاعرين من هذه القطيعة.
ولم يقتصر حضور الاسم “فاطمة” على الشعر العربي القديم والحديث، بل يلمح المرء ورود هذا الاسم في الكتب النحوية والصرفية واللغوية قديما وحديثا، المنهجية وغير المنهجية، فإذا ما احتاج المؤلفون لمثال مؤنث أوردوا الاسم “فاطمة” بجانب أسماء أخرى من مثل زينب وهند ودعد، ويتمثل به المعلمون كثيرا خلال الشرح، وقد لاحظت ذلك خلال عملي مشرفا تربويا للغة العربية.
إضافة إلى ذلك حضور هذا الاسم في معرض الحديث عن أزمات الجاليات المسلمة في الدول الغربية، إذ يبدو الاسم “فاطمة” عَلَماً على المرأة المسلمة، كما أنّ “محمّداً” علماً على الاسم المسلم المذكّر، إذ يكفي أن تكون المرأة حاملة لهذا الاسم ليدخلها المجتمع- وربّما القانون أيضاً- في دائرة الشكّ والتمييز الدينيّ، فالاسم أصبح مؤشّراً دينيّاً وثقافيّاً أيضاً.
كما أنّ للاسم حضوراً في الأمثال الشعبية الفلسطينية من مثل: “لا فاطمة ولا محمد”، للدلالة على عدم انشغال المرء بأي شاغل، وكذلك “دوّر ع فطيمه في سوق الغزّالات” أو كما هو باللهجة العراقية “من يعرف فطيمه بسوك الغزل”، للدلالة على صعوبة البحث عن شيء ما في ظرف مكتظ ومزدحم أو ما شاكل.
وليس فقط الأمثال الشعبية، وإنما أيضاً في الروايات والمسلسلات التلفزيونيّة والأفلام السينمائيّة والأغاني، فقد ورد اسم “فطّوم”، وهو اسم التحبّب “الشعبي” لفاطمة، في أغنية دريد لحام المشهورة التي يقول فيها[11]:
فطّوم فطّوم فطّومة خبّيني ببيت المونة
لمّا بكرة بيجي البرد ما لك غيري كانوني
ولم تخرج الأغنية عن مضمون ما ذكره الشعراء العرب، فقد عبّر غوار الذي جسّد شخصيّته دريد لحام عن المعاناة في الحبّ، لكن مع تغيير جوهريٍّ في دور فطّوم العصريّة، ففطّوم المقصودة هنا كانت تحبّ حسني البرزان، وغوّار يحبّها، وهي لا تحبّه، وحسني لم يكن يلتف إلى فطّوم أو يبادلها الغرام بمثله. ثمّة إذاً معاناة في الحبّ عند كلّ الأطراف، بما فيهم فطّوم نفسها التي لم تكن كعاشقات الشعراء صارمة وقالية، متعالية ومترفّعة، بل كانت عاشقة وتجري وراء عاشقها المثقّف والأستاذ، طالبة ومطلوبة معاً.
بالإضافة إلى مسلسل “صحّ النوم” الذي وردت أغنية فطّوم فيه، هناك مسلسل “ليلة القبض على فاطمة”، مسلسل مصريّ، جسّدت دور فاطمة فيه الفنّانة المصريّة فردوس عبد الحميد[12]، والمسلسل التركي “فاطمة”، وجسّدت دور فاطمة فيه الفنّانة التركيّة بيرين سات، ومأخوذ عن رواية تركية بعنوان “ما ذنب فاطمة جول؟”[13].
ومن الضروري الإشارة أيضاً إلى بعض الروايات والقصص والكتب التي ورد اسم “فاطمة” في عناوينها كرواية “مرسى فاطمة” للكاتب الأريتيري حجي جابر، ورواية “إلّا فاطمة” لأنيس منصور، والقصة القصيرة بعنوان “فاطمة” التي كتبها سيف سيفو، وتصور كفاح الشاب فراس من أجل حبيبته فاطمة، وكتاب الدكتور علي شريعتي الذي خصّصه للحديث عن فاطمة الزهراء- رضي الله عنها- بعنوان “فاطمة هي فاطمة”، وغيرها الكثير.
وكان لاسم فاطمة حضور في رسومات ناجي العلي الكاريكاتورية، فهي أمّ حنظلة، واقترن اسمه بها، فأطلق عليه “حنظلة ابن فاطمة” على غرار “عيسى ابن مريم”، ولهذا دلالته المهمّة في السياق العامّ للتاريخ الفلسطينيّ، وليس هذا محلّ بحثه على أيّ حال، وبدت فاطمة في تلك الرسومات “شخصيّة لا تهادن، رؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلّق بالقضيّة وبطريقة حلّها”[14]، وهي المرأة الفلسطينية اللاجئة “المثابرة الداعمة للمقاومة الداعية لاستمرارها التي تحضّ زوجها على النهوض وعدم الاستكانة لواقعه الأليم والمرّ”، صاحبة “الدور الريادي في قيادة المعركة، فهي التي تحمل وتلد وترفد المقاومة بالمقاتلين، وهي التي ترفض التنازل عن حق العودة، وتتمسك بمفتاح بيتها في فلسطين”[15]، وبذلك تحمّلت فاطمة الفلسطينيّة عبء كلّ الأدوار التاريخيّة للمرأة، بدءاً من الحمل والولادة وانتهاء بالمقاومة والقيادة، مروراً بالتربية والعناية والتوجيه.
ومهما قيل عن الاسم وأهمّيّته ودلالته وحضوره الأدبي والفني، فإنّه، كما قالت العرب “لكل من اسمه نصيب”، بل إنّ الاسم أحياناً يمنح حامله مهابة خاصّة، فيروجُ الاسم وينتشر بين كثير من المشاهير، فقد وجدت فاطمات مشهورات كثيرات في التاريخ، عدا ما ذكرت من محبوبات الشعراء عند امرئ القيس والمرقّش والمثقّب العبدي وغيرهم الذين خلدوهنّ بأشعارهم، وكان لهنّ الفضل في ولادة تلك الأشعار، عدا هؤلاء فقد تسمّى بهذا الاسم نساء كثيرات لهنّ حضورهنّ في الثقافة العربيّة كفاطمة، رضي الله عنها، بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوجة عليّ بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، وأمّ الحسن والحسين، رضي الله عنهما، وصار اسمها علماً على جماعة دينية سياسية منسوبة إليها، وهم “الفاطميّون”، كما أنّ عليّاً نفسه تزوّج امرأة أخرى بعد وفاة فاطمة الزهراء تدعى أيضا فاطمة أمّ البنين، وكانت أمّه تسمى فاطمة كذلك. وهناك فاطمة بنت عبد الملك، وقصّتها في كتب الأدب مشهورة مع الشاعر عمر بن أبي ربيعة[16]، وتذكر موسوعة الويكيبيديا أكثر من أربعين شخصية نسائية مشهورة تسمّينَ باسم “فاطمة”، عربيّة وغير عربيّة، منهنّ الأديبة والشاعرة والسياسيّة والفنّانة والرياضيّة والمناضلة والحقوقيّة[17]. وقد تنبّه السيّد أحمد إبراهيم صاحب كتاب “فاطمة بنت الحسين درّة فواطم أهل البيت” إلى من تسمّين بهذا الاسم، فيورد في نهاية كتابه ثلاثة ملاحق: “الفواطم من الصحابيّات” و”الفواطم من التابعيّات” و”الفواطم من الجاهليّات”[18].
ومع كلّ ذلك يبقى لبعض الأسماء حظّ أكثر من غيرها، وربّما لا تدري السبب الوجيه لهذه الشهرة وهذا الشيوع، فقد لا يكون المعنى أو الإيقاع هو السبب، إنّما هو حظّ ذلك الشخص الذي تصادف أن يكون اسمه هو اسمه الذي حمله دون إرادة منه في أغلب الأحيان، ليس إلّا.
________________
الهوامش:
[1] المعلقات السبع مع الحواشي المفيدة، الزوزني، تحقيق: د محمد خير أبو الوفا، دار البشرى، كراتشي، باكستان، ص18.
[2] ينظر المعجم مادة (فطم)، يقول: فطم العود أو الحبل فطماً، قطعه، ويقال: فطم فلاناً عن عادته: قطعه عنها، وقطعت المرضع الرضيعَ: قطعت عنه الرضاعة، فهي فاطمٌ وفاطمةٌ. (الطبعة الثانية، الجزء الثاني، ص695، ع1).
[3] هو كل تفعيلة في البيت أو السطر الشعري ما عدا العَروض والضرب، والعروض هو آخر تفعيلة في الشطر الأول، والضرب آخر تفعيلة في الشطر الثاني.
[4] المجموعة الشعرية الكاملة، الجزء الرابع، منشورات نزار قباني، ط2، 1998، ص200، والقصيدة من ديوان “الحب لا يقف على الضوء الأحمر”.
[5] ديوان جرير، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1986، ص216.
[6] ديوان المرقّشين، تحقيق: كارين صادر، دار صادر، بيروت، ط1، 1998، ص97.
[7] السابق، ص99.
[8] السابق، ص97، هامش البيت، يقول: وقوله “فاطما” أراد “يا فاطمة” فحذف حرف النداء ورخّم النداء بحذف التاء.
[9] السابق، ص99.
[10] ديوان شعر المثقّب العبدي، تحقيق وشرح: حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية، جامعة الدول العربية، 1971، ص136-141.
[11] الأغنية متاحة على اليوتيوب، من خلال هذا الرابط: https://youtu.be/miwMEu1X-OU
[12] موقع الويكيبيديا: https://cutt.us/cu0R2
[13] السابق: https://cutt.us/8lQ8T
[14] ناجي العلي: ريشة رسمت فلسطين بكامل ألمها، صحيفة الغد الأردنيّة، يوليو 25، 2011، الرابط: https://cutt.us/CBGTM
[15] التنمية السياسيّة المترتّبة على حركة الوعي في كاريكاتير الفنّان ناجي العلي، رسالة ماجستير، إعداد: خالد محمّد أحمد الفقيه، جامعة النجاح الوطنيّة، 2008، ص41.
[16] يُنظر: عمر بن أبي ربيعة، شاعر الغزل الصريح في العصر الأموي، إعداد: د. علي نجيب عطوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990، ص103.
[17] موقع الويكيبيديا: https://cutt.us/N1TzF.
[18] صدر الكتاب عن مبرّة الأل والأصحاب، الكويت، ط1، 2007. ويُنظر الملاحق، (113-139).