الجذور والفنانة نهلة آسيا
بقلم وعدسة: زياد جيوسي
ما بين أول معرض حضرته للفنانة نهلة آسيا عام 2016م تحت عنوان: “الحنين الى الضوء” والذي قلت عن الفنانة في دراسة نقدية مطولة للمعرض: “انها فنانة تقف ما بين بوح الأمكنة وحزن الأمهات وجنون الطبيعة، فنانة تبوح روحها بحكاية عشق للوطن، حنين إلى الضوء، ضوء الحرية والجمال، ضوء الحلم والغد”، وما بين المعرض الأخير في تشرين ثاني 2022م تحت عنوان: “جذور” كانت هناك قفزة نوعية بالفكرة والأسلوب والقدرات، بحيث شكل هذا المعرض والذي ضم في جنباته ستة وأربعون لوحة بصمة تأسيس لنمط وأسلوب جديد للفنانة لم أشاهده سابقا في المعارض التي حضرتها في أكثر من دولة عربية وغير عربية منذ عام 1972 حتى الآن، فلا يمكن لمن يحضر المعرض والذي كان في صالة جودار الرحبة للعرض في عمَّان، وسبق له أن شاهد معرض “الحنين للضوء” أن يغفل عن هذا الجهد التشكيلي الكبير في توضيح مشهد فني ارتبط بالأرض بشكل خاص في أكثر من بلد عربي، وهذا يؤكد مشاعر لم تفارق الفنانة الكرمية والفلسطينية الجذور وتأثير المشهد السياسي العربي عامة والمشهد السياسي الفلسطيني خاصة عليها، وخاصة لمن يقف وقفة تأملية أمام اللوحات ورمزياتها وألوانها.
حين ندقق باللوحات أكثر من مرة حيث زرت المعرض ثلاث مرات، نجد أنه لا يمكن اغفال الجهد التشكيلي الذي بذله الفنانة، فهي في معرضها هذا رسمت المشهد السياسي للمواطن العربي المرتبط بجذوره وتاريخه من خلال فكرة الجذور للأشجار والنباتات، وحولتها بريشتها إلى مواجهة مع كل الخراب الذي ساد المشهد العربي، فعبرت باللون والفكرة والمشهد العام والتخيل التأملي بالواقع عن ذاتها وعن المواطن العربي، وارتفعت عن السلبية التي يحياها المواطن عبر عقود طويلة، والتي زادها التمزق والخراب منذ عهد فكرة “الفوضى الخلاقة” التي أطلقتها وزيرة خارجية الولايات المتحدة، فكان الربيع العربي والذي أسميه الوبال العربي وما تركه من آثار ما زالت قائمة، فكانت لوحات الفنانة في معرضها “جذور” تعبير عن الربيع العربي القادم من خلال التمسك بالجذور.
من خلال تجوالي الطويل بالمعرض والتدقيق بهدوء في اللوحات وجدت أن الفنانة والتي اعتمدت أسلوب الكشط بالسكين في لوحاتها حلقت في آفاق ثلاثة لتوصل فكرتها وما يعتمل بداخلها، وإن كان الفصل بين هذه الآفاق ليس بالسهل لتداخل أسلوب العمل الفني وفكرة استخدام جذور النباتات والأشجار، وإخراجها
من باطن الأرض لتصبح هي الامتداد والفضاء داخل وفوق الأرض، بحيث لا يرى المشاهد في الوهلة الأولى إلا جذور نباتات متشكلة ومتشابكة أمامه، وهذه الآفاق الثلاثة يستحق كل أفق فيها دراسة نقدية كاملة لكل لوحة، لكن سأضطر لأخذ لوحتين فقط من كل أفق تعبر نسبيا عن باقي اللوحات:
الأفق الأول/ الأمكنة: وهذا الأفق كان من احدى عشرة لوحة من لوحات المعرض، وفيه ظهرت الأمكنة المختلفة في أكثر من دولة عربية ولكن الفنانة لم ترسم الأمكنة بالشكل المعتاد الذي يمكن أن يكشف المكان، فهي لجأت للرمزية في بعض اللوحات ومن ينتبه لهذه الرموز سوف يعرف المكان، فالفن التشكيلي من بين الفنون هو الأقدم في تاريخ البشرية الأكثر ملامسة لمحاكاة الواقع ويمتلك حرية كبيرة في التعبير عم في روح الفنان من خلال ريشته وأحاسيسه، فالفنان لا ينقل الواقع كما هو كما في فن التصوير الفوتغرافي ولكنه يضيف للمشهد أحاسيس ومشاعر من خلال رمزيات اللون والرموز المتداخلة في اللوحة إلا في الرسم التقليدي ، تاركة المجال للمشاهد لتحليل اللوحة وقراءتها، وقد اخترت لوحتين من هذه المجموعة للحديث عنها كنماذج تعطينا فكرة عن هذا الأفق وأسلوب وأفكار الفنانة..
وفي اللوحة الأولى من المعرض نجد ما تحدثت عنه أعلاه بوضوح، حيث نجد أن اللوحة قامت على أسلوب التدرج من الأسفل للأعلى مع وجود بؤرتين شبه متصلتين بين المساحة السفلى من اللوحة والمساحة العليا، ففي المساحة السفلى من اللوحة نجد أن اللون الأحمر الداكن بتدرجاته هو ما يغلب على هذه المساحة، حيث نجد الأمكنة تداخلت مع الأشجار وكأنها الجذور في الأرض ولكنها مشتعلة كما هو الواقع في الوطن المحتل، وفي قلب هذه المساحة نجد البؤرة الأولى والتي أشبه ببحيرة بألوان فيها فرح تعلوها الطيور بلون الدم وهي تستعد للتحليق لغد أجمل وسماء أصفى، وفي المساحة العليا من اللوحة تتغير التعابير اللونية إلى ألوان فرحة حيث يغلب اللون الأزرق الفاتح المتمازج مع الأبيض على هذه المساحة بما فيها الأمكنة، وإن بقي الأفق مشتعلا كما النيران، وإن ظهرت فيه إشارات الغد المضيء من خلال الضوء باللون الأصفر كما لون الشمس، ونلاحظ خط أصفر يعلو التلال في المنتصف بإشارة رمزية لإشراقة فجر أجمل، ويلاحظ أن الفنانة استخدمت عدة أساليب في الرسم فما بين الكشط إلى الفرشاة إلى أسلوب التنقيط في تعابير ورمزيات وتكوينات لونية هادفة، وبؤرة اللوحة كانت أقل مساحة من بؤرة المساحة السفلية لكن المحيط المفرح كان أسلوب التعبير اللوني لما يجول في ذهن الفنانة.
اللوحة الثانية وهي الثالثة في المعرض وواضح أنها تشير إلى العراق وقد كانت من سبع مساحات عرضية تقرأ من الأسفل إلى الأعلى حيث رسمت بأسلوب التتابع حسب المراحل الزمنية، فالقسم الأول بالأسفل نجد
الأمكنة يلفها اللون الداكن والعتمة حتى سماء هذه القسم وهي إشارة للظروف التي مرت على العراق، وإن لم تخلُ العتمة من بعض النقاط المضيئة التي ترمز للأمل الذي لم ينقطع والحلم المستمر، بينما في القسم الأعلى منه نجد انتقالة لونية الى اللون الأزرق المعتم ولكنه أقل عتمة بكثير من القسم الأسفل، ويبدأ اللون الأبيض الذي يرمز للفرح يظهر على الأمكنة، بينما بالقسم الثالث الذي يعلوه يصبح اللون الأزرق أقل قتامة وتتحول الأمكنة إلى رموز مسمارية تربط الحاضر بالتاريخ منذ عهد سومر والحضارة المشرقة في تاريخ العالم والعراق.
لتنقلنا ريشة الفنانة نهلة آسيا إلى مرحلة الفرح في القسم الرابع من تدرج اللوحة، حيث التكوين اللوني أكثر فرحا والأمكنة فيها يعلوها اللون الأبيض والنور وأشعة الشمس أعلى التلال، وبعدها مباشرة نجد في المقطع الخامس السهول باللون البرتقالي المتمازج مع الأصفر، وكأن اشراقة الفجر تطل عليها وتغسل الدم المنسكب في المراحل التي مر بها العراق، لننتقل بالتدرج في اللوحة للقسم السادس حيث الأمكنة تحيطها السهول والأشجار حتى سفوح التلال في الأفق، ليظهر بالقسم السابع أعلى اللوحة وفضاءها الجميل حيث الغيوم البيضاء وأشعة الشمس تزيل ما تبقى من العتمة، فروت الفنانة بريشتها حكاية العراق في سبعة مشاهد منفصلة ومتصلة في آن واحد فكانت التمسك بالجذور قاعدة الإنطلاق لغد مشرق.
ومن الجدير الإشارة أن باقي اللوحات التسعة تناولت المكان بأساليب مختلفة، ولكن الفكرة المشتركة أن هذه الأمكنة تعتبر الجذور لتمسك الإنسان في موطنه، وهذا ما نراه في لوحتها التي تشير إلى القدس ولوحة الدرج وغيرها، حتى الأمكنة من الطبيعة حملت نفس الفكرة مثل وادي رم في الأردن، فكانت اللوحات عن أفق الأمكنة تحمل في ثناياها تاريخ عميق وحضارات ضاربة بالقدم.
الأفق الثاني/ الطبيعة: وفي هذا الأفق عبرت الفنانة من خلال ريشتها عن الطبيعة ومكوناتها الطبيعية كما الأشجار والمساحات السهلية والتلال والصخور عن مفهوم فكرة الجذور في الأرض، وهذه المجموعة تكونت من أربع وعشرين لوحة بأساليب وتقنيات مختلفة مع المحافظة على الفكرة مما أنتج ابداعا مترابطا بشكل جميل، فالفنانة لم تبتعد كثيرا عن الواقع في الطبيعة في كل لوحات هذه المجموعة، ولكنها تمكنت من تحويل الإنطباع إلى فكرة جديدة مازجت بين الواقعية والإنطباعية لتوصلنا إلى فكرة الجذور من خلال أسلوب فني بروح فنان، فالفنانة سعت لخلق مساحات لونية فنية تقربها من المشاهد للوحات، بدون إغراق في الرمزية التي تمنع القارئ والمشاهد من فهمها ويشعر أنه أمام طلاسم يستحيل أن يفككها، وقد اخترت لوحتين من هذه المجموعة للحديث عنها..
اللوحة الأولى: وفيها نجد الفنانة مرة أخرى تلجأ لأسلوب المساحات العرضية سبع مرات من الأسفل للأعلى، وتكرار رقم سبعة في العديد من اللوحات يشير للتأثر بهذا الرقم الذي تكرر بالأديان والحكايات التراثية وبالأساطير أيضا، فهناك من يعتبره رقم حظ وهناك ما يتعامل معه من زاوية الدين فقد تكرر في القرآن الكريم، إضافة لوجوده في كل الحضارات السابقة حيث تم منحه صفات روحانية اضافة أنه رقم، وهذه اللوحة تقع بين شريطين داكنين القاعدة والسماء، والقاعدة غير واضحة المعالم إن كانت مسطح مائي أو أرض وإن كان المشهد أقرب للبحر، يليه بالأعلى الشريط الثاني ويغلب عليه اللون البرتقالي وهو مشهد للطبيعة والأشجار وسهل تتمازج فيه التكوينات اللونية بين الأخضر والأصفر والبرتقالي، فكان الحقل أشبه بحقول القمح قبل الحصاد، ومزروع تسع أشجار أقرب لتكون أشجار زيتون رغم ابتعادها عن اللون الأخضر، ولفت نظري الشجرة الثالثة من يمين اللوحة بالنسبة للمشاهد، فقد تمازجت خطوط الأرض مع الشجرة وكأنها شعر منثور في الريح، بحيث أصبح شكل الشجرة أقرب إلى رأس امرأة، والشجرة تبقى أنثى دوما فربما قصدت الفنانة هذه الرمزية في اللوحة، وربما الصدفة لعبت دورها أيضا فكانت خطوط الأرض كأنها شعر امرأة متطاير.
بينما الشريط الثالث غلب عليه اللون الأخضر الفاتح المتمازج بالأصفر، وهذا التكوين اللوني يمنح المشاهد بهجة وراحة نفسية حين يتأمله فهي ألوان بداية الخصب، وحافة السهل من الأسفل مزروع فيها أيضا تسعة أشجار، فهل كانت صدفة أن تكرر أيضا رقم تسعة بشريطين من اللوحة بعدد الأشجار؟ بينما الشريط الرابع غلب عليه اللون الأخضر الأقرب للطبيعة فكان امتداد سهلي مع عدة أشجار يشير لمرحلة الخصب، بينما المساحة الخامسة باللون الأصفر الموشح بالأخضر وكأنه سهول القمح حين يقترب الحصاد، لتنقلنا مباشرة في المساحة السادسة إلى صفاء البحر وزرقته حيث الأزرق موشى بالأبيض، وكون الأزرق من الألوان الباردة يمنحنا شعور مختلف عن غيره قبل أن يبدأ أفق البحر بالعتمة، لتنقلنا بعدها بالمساحة السابعة إلى عتمة السماء وإن كانت أقل من عتمة قاعدة اللوحة، ويلاحظ أنه في وسط المساحة السابعة تقريبا نجد الشمس وقد توارت خلف هذه السحب الكثيفة وبالكاد تظهر باللوحة..
فهل أرادت الفنانة في لوحتها هذه الإشارة إلى دورة الحياة؟ أم أرادت أن تشير إلى الجذور في الطبيعة من خلال الأشجار والأرض التي تمنح الخصب؟
بينما في اللوحة الثانية نجد الطبيعة تجلى بصورة جميلة وكما اللوحة السابقة نجد تكرار فكرة المساحات السبع، ولكن هذه اللوحة قامت بكل مساحاتها على فكرة الجمال في الطبيعة بمساحات مختلفة ومتصلة بحيث شكلت فكرة واحدة من سبعة مساحات متمازجة، فالشريط الأسفل شكل القاعدة للوحة بلونه الأرجواني
الفاتح الموشح بالأبيض حيث تنبت الورود وتتداخل الجذور في مشهد يبعث على الأمل، بينما في الشريط الذي يليه نجده بلون أكثر قتامة وأقرب للتربة السمراء الخصبة حيث نرى أن شكل الجذور هو من أعطى المساحة تكوينها وفكرتها والأرض تقسيماتها، والشريط الثالث مثل السهول بخصبها والرابع نهر تجري مياهه على شكل جذور من خلال تقنية الكشط بالسكين، والخامس شواطئ النهر الخصبة لنجد المساحة السادسة بلون حقول القمح مرة أخرى حيث تتدرج الفكرة حتى الخصوبة ويليها مشهد السماء الجميل والحافل بخيوط متشابكة كما الجذور للوصول إلى فكرة اللوحة، أن الجذور تمتد من الارض ولا تفارق سماء الوطن.
الأفق الثالث/ الجذور: وهو لب فكرة وإسم المعرض حيث تعمل الفنانة على تكثيف مشاهد تشكيلية تعتمد على الجذور كفكرة وكأسلوب في الرسم، وهذه المجموعة تتكون من إحدى عشرة لوحة كل لوحة فيها تمثل حكاية، وأكثر من لوحة منها حين ندقق في اللوحات نجد أن الفنانة أنسنت الجذور بانتصابها وشكلها وهذه رمزية رائعة دلالة على ارتباط الانسان في جذوره وبالتالي في الأرض التي تمتد فيها الجذور، ورمزية أخرى في هذه اللوحات أن الفنانة شكلت بريشتها وبأسلوبها الفني إمتداد الجذور من تحت الأرض إلى أعلاها، فكانت الجذور بشر وأمكنة وأشجار بدلالة أن الجذور هي الأصل، ومن لا يمتلك جذور في الارض يسهل اقتلاعه وموته، فلذا فشل الاحتلال بكل ما مارسه ويمارسه من اقتلاع الشعب من الوطن والأرض والذاكرة، فجذور شعبنا تمتد في هذه الأرض قرابة أحد عشر ألف عام، وفي إطلالة سريعة على لوحتين سترى الفكرة التي توصلت اليها بقراءة لوحات الفنانة:
اللوحة الأولى: وهذه اللوحة من اللوحات التي تركت أثرها في روحي وفيها نرى في القاعدة جذور قوية وضخمة الحجم منغرسة في الأرض، ومنها تصعد أشجار منتصبة القامة من أمام مكان أقرب لبيت تحفه الحقول وسنابل القمح المنغرسة في جذور الأرض، وأمام المكان نرى الانسان يفترش الأرض المغطاة بالقش والجذور، وقد تمكنت الفنانة بجدارة من إستخدام التكوينات اللونية وتمازجها، فكانت الجذور القوية بنية اللون كما لون التراب الخصب، والأشجار يانعة مثيرة للفرح بلونها وشكلها وخاصة مع قلب اللوحة الذي طغى عليه اللون الأزرق الفاتح المتمازج مع الأبيض، بينما مساحات الحقول تمازجت بين لون الأرض والأخضر والأصفر فخلقت فضاء جميل للوحة يرمز بوضوح لارتباط الانسان بالجذور.
اللوحة الثانية: وهي من اللوحات المتميزة والتي أحببتها كثيرا من لوحات الجذور حيث القاعدة للجذور تحت الأرض، وقد تميز التكوين اللوني في هذه اللوحة بألوان العلم الفلسطيني الأربعة، فكان اللون الأحمر على يمين المشاهد أقرب لمثلث، يليه تمازج للأسود والأبيض والأخضر من الأعلى للأسفل على شكل جذور، فكان
العلم بما يرمز إليه هو الجذور المنزرعة في الأرض، لتخرج هذه الجذور من التربة على شكل أشجار ونباتات وخصب وحقول قمح مع بعض ملامح الأنسنة في الأغصان، فأكدت الفنانة في هذه اللوحة أن الشعب منغرس بجذوره الى الأعماق في الوطن المغتصب.
والخلاصة أننا نلمس بوضوح من خلال هذا المعرض التأكيد على دلالات الإنتماء للأرض العربية عامة والأرض الفلسطينية المحتلة خاصة، وهذا يدل على بعد واعٍ للفنانة وفكرها وريشتها فوثقت الوطن والفكرة من خلال الجذور، باعتبار التاريخ إمتداد للحاضر، والتي تمتد على مساحات اللوحات وتغطي فضائها بأسلوب الكشط بالسكين، وهذا يظهر للمشاهد أن الفن يحمل في طياته رسالة من خلال اللون والريشة تصل لروح المشاهد مباشرة، فتقدم لنا لوحات تمازج المكان والوطن والطبيعة ذات معانٍ حافلة بالأحاسيس والفكرة، فتثير الدهشة في روح من يتأمل اللوحات من الأولى حتى الأخيرة، ومما يدلل أن الفنانة في الفترة بين المعرضين تمكنت أن تتبوأ مكانة فنية خاصة في الفن التشكيلي، وتعبت على نفسها كثيرا وأثرت تجاربها السابقة وطورتها جيدا فصنعت لنفسها بصمة خاصة في فضاء التشكيل الفني، فأعطتنا إبداع من خلال فكرة الجذور التي لها أبعاد كثيرة من خلال الجذور والطبيعة والمكان، مؤسسة لفن وجمال متفرد بالتأثير.
الفنانة التي امتلكت قدرات جيدة وثقافة بصرية وإحساسا مرتفعا، تمردت في فضاء لوحاتها على التقليدي والمطروق بالفن التشكيلي، فكانت ريشتها في فضاء لوحاتها التي لم تعرف الفراغ حافلة بالتأثيرات النفسية ودلالاتها، فكان الفن لديها رسالة ووسيلة تحرر وطريقة مقاومة، من خلال استخدام فكرة الجذور على مساحات اللوحات فلم تترك مجالا للفراغ فيها، مستخدمة الرمز كلغة منصهرة مع التكوين اللوني والأسلوب، لتؤكد أن الإنتماء للجذور يحمي الإنسان من الإقتلاع من مكانه، فأي شعب بلا جذور يسهل اقتلاعه، وشعبنا وأمتنا تمتد بجذورها بالأرض الى احد عشر ألف عام منذ بنى كنعان مدينة القمر “اريحا” كأقدم مدينة حضرية في التاريخ.
“جيوس 21/1/2023”