الرئيسية / مجتمع / الحريق واد بنات الأفكار
الكاتبة والصحفية رانيا بخاري/ السودان

الحريق واد بنات الأفكار

الحريق واد  بنات  الأفكار

الكاتبة والصحفية رانيا بخاري/ السودان

انفصام الرؤية الفردية عن الرؤية الجماعية يهدم التواصل بين المبدع  والمتلقى لقد ظهرت هذه القصة لاول مرة عند ابى الفرج  وهو مورخ عربى س مسلم فى القرن الثالث عشر الميلادى و خلاصته ان كاهنا مسحيا اسمه يوحنا النحوى  تقرب من الفاتح العربى عمروبن العاص وطلب منه كتب الحكمة الموجودة فى خزائن الامبراطورية  على اساس  ان هذه الكتب سوف تكون قليلة الفائدة  بالنسبة للعرب فكتب عمرو بن العاص يطلب راى الخليفة عمر بن الخطاب الذى اجابه قائلا فيما يختص بالكتب التى ذكرتها فاذا كان ماهو مكتوب فيها يتفق وكتاب الله فلا حاجة لنا بها س  واذا كان يختلف مع كتاب الله فانها  مرفوضة و عليك بحرقها

لقد اخبرنا التاريخ ان هنالك ادباء صمتوا وفئة مزقت ماكتبت  واخرى احرقت ماسطرت  وتالية اتت بحبل وحزمت كل مخطوطاته فى حزمة واحدة  ودفعت بالحزمة تحت السرير  قالوا اذا اردت ازلال كاتب جرده من قلمه او احرق كل ماكتب انت حينذاك تكون القمته حجر.

هزيمة الذات الفردية

فهد العسكر الشاعر الكويتى احرق كل ماكان تحت يديه من قصائد تحت وطاة الياس ومرارة  التجاهل فى محاولة للا نتحار لذاته الشعرية  وقد انتهى به  الامر بائسا حزينا يرسل اناته المحتضرة نحو السماء من غرفة متواضعة بعد ان تنكر له الاهل و نبذه مجتمعه  لانه دعى الى محاربة العادات  والتقاليد و دعا الى تعليم المراة مما اوغر صدراسرته و مجتمعه  عليه فلم يجد سوى الشكوى من هولا الذين لايفهمون مايريد  ويتضاعف الم الشاعر بتسلل  مرض التدرن الرئوى الى صدره  بالاصافة الى فقدانه بصره  واطلق زفرته الاخيرة فى الخامس عشر  من اغسطس من العام 1951

مائتان وخمسون

الفيلسوف برتولد بريخيت قضى شطر من حياته منفيا عن وطنه  وبعد اشهر قليلة  من تولى هتلر الحكم فى المانيا احرق عدد كبير من الكتب للادباء المان و قد اعتبرت النازية هذه الكتب ضارة بالشعب الالمانى  وشنت حملة هوجاء على كل من يشك فى ولائه للحكم الجديد الامرالذى دفع احد مؤرخى الادب الالمانى ليكتب بعد سنوات مائتان و خمسون كاتبا من جيل واحد جنحو الى الصمت او تركوا وطنهم وهو امر لم يكن يشهده التاريخ  من قبل

 الحريق انتقاما

الشاعر الرائى ارثر رامبو احرقت ماتليد زوجة فيرلين الشاعر الملقب بخنزير الاردن مخطوطة كتبه رامبو تحمل اسم صيد روحى انتقاما من علاقته المثلية مع زوجه

لقد اضطررت  بينهم بعد الشهرة  والمعرفة فى اوقات كثيرة الى اكل الخضرة فى الصحراء و الى التكفف الفاضح عند الخاصة و العامة والى بيع الدين و المروة والى  تعاطى الرياء بالسمعة و النفاق و الى مالايحسن بالحر ان يرسم بالقلم و يطرح فى قلب صاحبه الالم س تلك الرسلة من ابو حيان التوحيدى الى ابو الوفاء المهندس   احرق ابو حيان كتبه ثم قال كيف اتركها لاناس جاورتهم عشرين سنة فما صح من احدهم وداد ولاظهر منهم حفاظ  ثم قال ان اغرب الغرباء من صار غريبا فى وطنه

مالذى يدفع بمبدع الى واد بنات افكاره بعد مخاض الولادة اهو دافع سياسى ام اجتماعى ام  دينى  كما حدث مع الفيلسوف بن رشدالذى اصطدم بوجة نظر بعض رجال الدين فى بعض المسائل فنشاء عداء بينه و بينهم ادى الى ضطهاده فى اوخر ايام حياته استدعاه المنصور س سلطان  مراكش لتنظيم محاكمه و قوانينه القضائية الا ان المنصور سرعان ماصب  جام غضبه عليه لانه اعتبر افكاره داعية للالحاد  والكفر فطرده من منصبه و صادر كتبه الخاصة و عندما  التهم بالزندقة احرق معظم كتبه فلم يبق منه لا القليل

ام بن حزم الفيلسوف الفقيه ضاق علماء عصره بحكمته و صراحته و اخلاصه فشهروا عليه  الحرب فااحرق كتبه ولم يبقى منه الاالقليل وكذلك احرقت الشاعرة عائشة التيمورية قصائده حزنا على وفاة ابنته

واغرب الحرئق ما فعله ورثة الشاعر السكندرى شيبوب اذ انهم بعد فشلهم فى اقناع المسؤلين باخذ المكتبة وضمه الى المكتبات العامة قامو ا بحرقه اهو زهد فى معرفة قيمته ام انه كانت فى ايدى لاتقدر العلم.

اسئلة كثيرة تزاحمت فى راسى وانا اتتبع تلك الحرائق سائلت نفسى  هل سااتجرا فى يوم ما على حرق بنات افكارى  فلنترك اجابتى جانبا و نبحث  عن تلك الاسباب التى ادت الى هذه الحرائق فى ذلك يحدثنا الناقد مصطفى الصاوى.

قائلا على مر العصور يقوم ادباء بحرق منتوجهم  الابداعى السؤال الذى يطرح على الذهن  ماسبب هذا هل هو عدم اقتناع  بالاعمال لكن هذا لايودى الى حرقها  ولكن الى اعمال الفكر لكتابتها  بصورة رائعة هل مسالة تلقى ان يجد الكاتب اعماله الابداعية وليس هنالك اى متابعة او قراءة لاعماله ام ان الامر مرتبط بظروف اخرى لاندرك ابعادها لقد حرق لوركا  بعض اعماله  بل ان بعض الكتاب وضع حد لحياتهم كما فعلت فرجنيا وولف   ارنست هيمنجواى  وخليل حاوى و ابوذكرى وشيبون و الجامع بين كل هذه الفئات تتعاطى بدرجات مختلفة المسالة الادبية و الابداعية هل يجيب على هذا السؤال علماء النفس ام الاثنوغرافيا  الذى يحير ان الكتابة نوع من الاحياء و الحريق اجابته كما ذكرتى اذن ليس هنالك اجابات جاهزة ولكن الظاهرة فى حدذاته تبحث عن اجابة لان فى نهاية الامر سلوك فردى يخص كل كاتب و سياقها الاجتماعى و الابداعى هل يمكن  القول ان هذا فعل ثقافى مضاد لما يومن به الكاتب.

الاثم الخاص

حول سؤالنا للشاعر ابو عاقلة ادريس عن  ماهية فعل الحريق فى الحقل الادبى وعن دلالة الفعل  اجابنا قائلا

يعتبر بريق حرق الكتب قرار بينيا لقيمة ما تحتويه اعدام بعض اثار المبدعين ضربان اعدام حقيقى و  معنوى و لعل مردود ذلك التطهير  والتخلص من الاثم وعند البعض ابنية بحالة جذب سماوى او الخبل و الجنون  وعند البعض الاخر ممارسة لطرق ابداعى بعض الفنانين التشكلين حرقوا لوحات مراسمهم للفنان ابراهيم حديث ذو شجون عن ترجديا محارق اولئك التشكلين  عدد من الشعراء اعادوا كتابة نصوصهم  كان ذلك فى اويروز بمسودة قصيدة الارض اليباب  واشار الىذلك الدكتور محمد عبد الحى فى رسالة  له لصديقه خالد المبارك فى تاريخ الاربعاء فى الخامس من يوليو من العام 1972 عن قصيدة العودة الى سنار او ما اسماها عبد الحى الاثم الخاص اعاد كتابته حيث قال لسبب ما فعل ايروز مسودات الارض اليباب ربما اراد ان يتخلص من وزر ما و  افعل ذلك تخلص من اثمى الخاص لقد اصبحت القصيدة مركز جاذب للغواية الشعرية اذا لم اتخلص منه تماما ستظل تتجتذبنى  وذلك مضر لقد اضر بازر باون فى اناشيدها فقد اصبحت ديناصور شعريا يصعب التحكم فيه لايشبع ابدا مهما  القمته من كلمات  وكلمات  وذكر عبد الحى فى تلك الرسالة الادبية انه اعاد كتابة العودة الى سنار مرة واخرى فى يور كثير واستنافور.

ادريس جماع فى مقدمة ديوانه لحظات باقية ذكر ان بعض نظمه من محاولات الحداثة كانت تجد اختراما ولكنه  يراه دون ما يريد  لم يثبته فى مجموعته الشعرية ولم يمنعه النسبة الى شعره

الاهمال يكاد يقارب الاعدام المعنوى للاثار الادبية وقد عتز عضو مجلس الشيوخ  1954 و عضو مجلس السيادة عند الاستقلال الشاعر احمد محمد صالح  الى قارئى ديوانه مع الاحرار مقدما افادته عن تجاربه الشعرية قائلا كنت اليقاها ليكون ليذهب نع الريح او يستعيرها بعض الاصدقاء  فلا يردونه و كنت انشر بعضها فى الجرئد السيارة و اهملها

بعض المبدعين يعدم بعض الاثار الفنية لانه دون المستوى فنه فمنه ما كتبه السياب كا قصيدة الرابع عشر من رمضان وهو فى مستشفى سانت مارى بلندن  وذلك اثر سماعه لنبا الثورة و قد اشار اليه صديقه مويد العبد الواحد فى اهمال القصيدة لانه دون مستوى شعرهلكن مع ذلك رات القصيدة النور

كلمة لاتموت

الشاعر ابو عاقلة ادريس حرق صديقى شيبة الحمد خيرالسيد يوما ما اضمر النار فى احدى مجموعاته الشعرية شاعر مغمور ولكنه صوته شاهق احترقت نسخة ديوانه الى  الابد و لكنى مازالت احفظ بعض كلماته فالكلمة الحية لاتموت.

قد ارى نفسى فى نفسى وهذا غير ميثور لغيرى عندما ينسون فى غير غرورى

كاختصار ساتر هاهى النار التى تقدح مجدي تتمطى هيت لك هيت لك  

اننى اثرى لهم ليست ردا ايها العابد عجل السامر

مكتبتى مكتبتى

يحكى ان مارك انطنيو اهدى كليوباترا التى كانت س مولعة بالثقافة  وتجيد عشر لغات مكتبة تضم مائتى الف كتاب اعتزرا عن جريمة غريمه فى الحرب يوليوس قيصر الذى احرق مكتبة الاسكندرية عندما احرق  اسطول خصمه فى الميناء الشرقى عام 48 قبل الميلاد  وانذاك كانت الحرب قائمة بين كيلوباترا  واخيها  بطليموس الثالث عشر  وانحاز قيصر لكيلوباترا و بينما كان قيصر فى الاسكندرية  وجد اسطول خصمه يتحصن بخمسين سفينة حربية قبالة الشاطى س وتلك السفن حاصرته بل وقطعت خطوط دعمه عبر البحر وجراء اضرم النار فى سفن ذلك الاسطول رجحت النيران جانب قيصر  لاان الحريق لم يكتفى بالسفن بل امتد نحو الشاطى و طالت السنة اللهب وجه الاسكندرية فقضت على اهم ملامحه لاوهو مكتبة الاسكندرية العتيقة  وقيل ان كيلوباترا كانت تراقب من على شرفتها مشهد الحريق وهى تصرخ مكتبتى مكتبتى

لعل هذا ينفى ادعاءات مؤرخى الغرب للذين قالوا ان المكتبة دمرها الفتح العربى الاسلامى لمصر فالمكتبة دمرت قبل دخول عمرو بن العاص الى مصر باكثرمن  مائتين وثلاثين عاما. 

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

صدور كتاب “ندوات أسرى يكتبون”

صدور كتاب “ندوات أسرى يكتبون“ حسن عبادي| حيفا صدر عن جدل للنشر والتوزيع ومنشورات رابطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *