العاصمة ” بلاطا”
القاص عبد القادر لحميني/ المغرب
تلتفت المرأة العجوز صاحبة الحقيبة اليدوية إلى السائق قائلة : ازددت وتربيت في ” بَّلاطَّا” ..!، يلتفت إليها السائق ولهيب السيجارة يتطاير من يده قائلا: كثر الهمج ،أين هم أبناء “بَّلاطا” الحقيقيون.. !!؛ قفزت على عبارة ” لا تتكلم مع السائق” التي شغلت بالي وأشحت بالنظر، الفتاة التي تجلس إلى جانبي اسمها “لورا” ،تستفزها صديقتها التي في الجهة المقابلة وتقول لها : أنا مع الفريق الأخضر ..يا “لورا”!! ؛ كلمة ـ همج ـ التي تلفظ بها السائق جعلتني غير معني بما يدور في الحافلة (رقم 21) ،تلتفت “لورا” إلى صديقتها قائلة : وأنا مع الفريق الأحمر !!؛ بين “لورا” وصديقتها “صوف” بدأت أبحث عن اللون ، أول مرة أجد نفسي أمام سؤال غريب ، وأختار في غير رجعة ، إما اللون الأحمر وإما اللون الأخضر !!، رزانة “لورا” تدفعني لأميل إلى اللون الأحمر بدون مقدمات !! وجمال “صوف” يدفعني لأميل إلى اللون الأخضر !! ؛… لا أعرف معنًى للفريق بالمرة ، ولا أعتقد أنني عندما أختار الفريق الأحمر سأدافع عنه ببسالة “لورا”،أو ، عندما أختار الفريق الأخضر سأدافع عنه مثل “صوف”..نزلت العجوز صاحبة الحقيبة اليدوية ،أحسست وكأنني تخلصت من عبء ثقيل ،أتبعتها “لورا” بنظراتها قائلة: إلى الغد أستاذة “ريم” !!..،و أعقبتها “صوف” وهي تلوح بيدها : ..إلى الغد أستاذة “ريم”.. !! ؛ التفت ببطء إلى “لورا” وفي نيتي سؤالها عن (حي ” بلاك” الزنقة 20..) !!؛فهمت قصدي ،أخذت مني ورقة العنوان وانفجرت في وجه صديقتها “صوف” ضاحكة:
ـ..أوَّاهQuartier « black » ; rue20.. ، ..مستحيل !!
ـ No ..”لور ا”..Impossible .. (تقول “صوف”)
التفتت إلي “لورا” قائلة :
ـ ..ما.. اسمك !؟
أخذت منها ورقة العنوان (حي “بلاك” الزنقة 20..)و التزمت الصمت..
كلام “آمَّى” كان فيه كثيرا من التعالي ، ينم عن جهلها العميق بالعاصمة “بلاطا” ، ربما كانت ضحية تلفاز بالأبيض والأسود هي الأخرى ،فليس كل ما يصور ويقدم للناس ينطوي على الحقيقة المطلقة ، كنا نجلس أمام التلفاز كأرانب مرعوبة ،وعندما تُذكر العاصمة “بلاطا” أو جزء منها ، تقفز “آمّى” من مكانها و تقول لنا :
ـ ..هنا تسكن خالتكم “صَارْ” ،حي “بلاك” الزنقة20 !
يلتفت إليها أبي قائلا :
ـ..” آمَّى” ، دعي عنك العاصمة “بلاطا” وأختك”صار” !!؛
كنت أفهم أنني المعني الأساس بكلام “آمَّى” . أتحسس العالم من حولي، وأرنو إلى ذلك اليوم الذي سأتحول فيه إلى بطل ،وتحكي عني قرية ” سِيلْدُّو” بفخر ، هذه القرية الصغيرة التي نبتت على حافة وادي “بْراين”.. يقولون وأنتشي، “صُبح” في العاصمة “بَّلاطا” ! ،قامتي تسمح لي بأن أكون بناءً ، هذا أقسى ما أحلم به ، لكن ما يستقر بداخلي خلاف ذلك ،هو أن البنائين هم من دمر العالم ،فالعمارات العالية تبنى على أنقاض الحياة ، لكن ما السبيل ؟، من المُحال أن أعمل في الخياطة أو النسيج !!، هذا من شغل النساء ، المرأة هي من تعمل في الخياطة أو في النسيج ؛ “آمَّى” قد تسمح لأختي “بَّنْها” إذا دعت الضرورة لذلك ،بالعمل في النسيج أو في الخياطة ؛ الجميل في العاصمة “بَّلاطا” أنها مدينة من دون أبواب ، أبي لا يرغب لأختي” بَّنَهَا” أن تأخذ الحافلة لوحدها وأن تعرف أسماء الشوارع ، يرى في هذا تهديدا لمستقبلها كربة بيت ناجحة ، ينتظرها زوجا ينوب عنها في كل شيء ؛ في “سيلدو” النساء للبيت هذا ما أخذته العائلات عن بعضها ، الرجل هو رب الأسرة ؛ خلف الشارب الكثيف يختفي ” آسَرْ” ، أبي ، وعندما أتطلع إلى حاجبيه يأخذني الفضول لأقارنه بجدي الذي تأخذ صورته مكانها بالقرب من النافذة المعلقة من بيتنا القصير ، السؤال الذي أتقاسمه مع “آمَّى” ؛
ـ.. أين هي صورة جدتي ؟ ، أقصد “بَنْدل”
تجيبني “آمَّى” :
ـ ..”صُبْح” لا تسأل عن مثل هذه الأشياء الكبيرة عنك !!