العاصمة “بلاطا”(3)
في قرية “سيلدو” ، ” مَطَل” البواب ،هو كل شيء ، هو العقل في مستشفى” إيفير” ، في السابق كان البعض يعتبرها مزحة فارغة ؛ الطبيب “نوفر” أسرَّ بها في غير ما مرة للممرضة الرئيسية ” كَلاَتْ” ،قال لها خذي حذرك من “مَطَل” !! إنه عين الدكتور “مَكَال” على مستشفى “إيفير” ، والممرضة “كَلات” بدورها أسرت بها للممرضات الأخريات ،قالت لهن :خوفي عليكن من “مَطل” !! ؛ “مطل” ، بمثابة الطبيب الخاص لعمي “رماح” ، يتقاسمان كؤوس الجعة المهربة و تبغ الملفوف وأوراق الرهان ، ما يعجب عمي من “مطل” أنه يشرب كل شيء ويدخن كل شيء ، مرة قال لزوجته “سالي” :
ـ..”مَطَل” أفضل عندي من الطبيب “نُوفر”، إنه يتعامل بشكل أفضل، ولولا “مَطَل” البُوَّاب لأُغلق مستشفى “إيفير” .. !!
عداوة عمي “رماح” للطبيب “نوفر” كانت واضحة ، ودوافعها معروفة ،عمي “رماح” من المرضى الذين لا يحبون من طبيبهم قول الحقيقة ،إنه يرى في الطبيب “نوفر” عدوا خالصا ، وبالأخص عندما قال له في حضرة زوجته “سالي” بعد الأخذ والرد وزمن من المماطلات و الذهاب والإياب: المشكلة منك ..”سالي” سليمة .. أنت عقيم يا”رماح” !!؛ كانت تلك الرصاصة الأخيرة في رأس “رماح” ، أظهر أمام زوجته “سالي” تماسكه وعناده ،لكن بداخله أحس أنه ينتهي وينهار كجبل من الجليد ، الحقيقة تقتل !، قال للطبيب “نوفر” متشبثا بآخر قشة من الحظ : دكتور !، أظن أن هناك شيء ما غير مفهوم في ورقة الفحص ، ثم سأل الطبيب” نوفر” قائلا: .. و”سالي” ،هل بها من مشكلة !! ،أجابه “نوفر” : “سالي” سليمة يمكنها إنجاب أولاد من الآن !!؛كانت تلك نهاية عمي “رماح” مع الطبيب “نوفر” ومكتبه الذي يوجد في الطابق الأول.. لم تعد دعوات “سالي” لعمي ” رماح” وإلحاحها بالعودة والرجوع عن مقاطعته الطبيب” نوفر” إلا صيحات في فراغ ،وعندما تكثر عليه “سالي” الكلام ،يُوجِّه إليها اللوم والعتاب قائلا: وما الذي ربحه “بَّرْصَاك” أبوك ..من الأولاد ؟ ! تجيبه “سالي” وقد اشتد بها الغضب قائلة : وما السبيل على إقحام “بَّرصاك” ، أبي ، في الموضوع ،”بَّرصاك ” بعيد عنك ،يكفيه أنه زوَّجك بابنته “سالي” !!، يشعل عمي “رماح” ملفوف التبغ ويضيف قائلا : أنا أعرف عصابة “بَّرصاك” !! ؛ “آمَّتا” في الغرفة المجاورة تنتشي بهذا الخصام ، وتلتقط أدق تفاصيله من النافذة المعلقة ، في نظرها زوجها “آسر” أكثر كسلا من أخيه “رماح” ، لكنها مع ذلك تبقى محظوظة جدا بابنيها “صُبح” و”فلاذ” والصغيرة “بَّنَها” وهذا ما يشعرها سعادة غامرة بالمقارنة مع “سالي” التي لم يحالفها الحظ في إنجاب أولاد من “رماح” ، من سيئات الغرف المتلاصقة أنها كاشفة لكل شيء حتى لهمسات الكلام وروائح الأطعمة ؛ تنادي” آمّى” “آسَر” بصوت مبحوح ،تحاول أن تظهر له في المقابل أنها المرأة ،النقيض، القادر على العيش في كنف الطمأنينة ، وهذه من الحرب الخفية المشتعلة بين النساء ، التي تغيب نارها الهادئة على كثير من الرجال و لا تعرف بحقيقتها المُرَّة إلا الجدران الصامتة !،قائلة: ..”آسر”.. !..”آسر” ..! ،تشرب شيء..أطلت في النوم اليوم !! ؛ يتقلب “آسر” على جنبه قائلا: “آمّى” ،دعيني ،أنام ..شربت ..شربت كل شيء.. !!؛ تمشي “آمَّتا” في اتجاه النافذة المعَلَّقة ، لم يعجبها سكوت “سالي” وميلها لامتصاص غضب “رماح” ، في نظرها كان على “سالي” من جهتها أن تجيب “رماح” بعنف قائلة : وما الذي تعرفه أنت عن عصابة “بَّرْصَاك” ..؟ ويجيبها “رماح” من جهته هو الآخر قائلا: ..عصابة ”بَّرْصاك” قتلة ومجرمون وبائعو مخدرات !! ،وتتأجج نار الخصومة بينهما وتنتهي بتكسير الأواني ؛ لكن “سالي” تفطنت للعبة وأدركت بأن ” آمَّتا” هذه التي لا تتكلم كثيرا ، هي في الحقيقة تقول كل شيء ، “سالي” بتعنتها ، إنما تدفع بنفسها لتدع الدار المطلة على وادي “بْراين” بغرفتيها القصيرتين والحديقة ل”آسر” و ” آمّتا” ، و زوجها “رماح” فليذهب مع الريح وليمتطي عادته القديمة ، الجعة المهربة وملفوف التبغ وأقفاص الطيور ؛ التفت “رماح” في ندم وقد أحس أن “سالي” لم ترغب في مجاراته قائلا :
ـ ..أعذريني يا “سالي” ..أنا طائر في قفص !!..أشعر بالاختناق
أجابته “سالي” وهي تنظر إليه بعين الريبة وكأنها تحاول أن تنفذ إلى عمق ما يقوله ،قائلة:
ـ .. أنت يا “رماح” تحسن العويل و الصراخ من دون فائدة، ما ذنبي إن لم ننجب أولاد !! ، أحيانا يخيل لي أنك مجنون بالفعل !!
وضع عقب ملفوف التبغ من يده على حافة الطاولة وبدل أن يعقب عليها في حينه سكت ثم قال لها :
ـ ..أحيانا تتكلمين بعقلك يا “سالي” !!
وضعت “سالي” الصحن الفارغة من يدها في ذهول وخاطبته قائلة :
ـ .. ما الذي تعنيه من كلامك!!؛
أجابها ،”رماح” وقد أخذ بأسفل ذقنه قائلا:
ـ..الطائر لا يصرخ إلا في القفص !! ؛
أخذت “سالي” الصحن الفارغة من أمامه التي وضعتها على الطاولة ، وأعقبت مولية إلى المطبخ الصغير القابع في زاوية الغرفة ، ليس لها مزيدا من الوقت لتضيعه مع “رماح” ،تنتظرها زيارة خاطفة إلى مستشفى “إيفير” ،وضعت شيئا من “لَكْرِيم” على وجهها و تأبطت حقيبتها اليدوية ، سألت “رماح” قائلة:
ـ ..أين هو ” لفُولار” ..؟
أجابها “رماح” :
ـ…إلى أين هذه المرة.. ! ؟
أجابته “سالي” قائلة:
ـ ..في موعد مع الطبيب “نوفر” ..
أتبعها “رماح” بصوته :
ـ..”سالي” لا تنسي معك “مَطَل” البواب، بلغيه سلامي وحَدِّثيه عن الأقراص.. إنني تأخرت عن أخذها هذا الشهر.. !!؛