طبرق 21 نوفمبر 2018 (الرصيف – تقرير)
أُعد هذا التقرير لصالح وكالة أنباء الرصيف
كتابة وتصوير / رزق فرج رزق
انتشرت مؤخراً ظاهرة حفر الآبار (الارتوازية) ؛ لاستخدامها كقنوات تصريف بديلاً عن أبار المياه السوداء المنزلية في أحياء متفرقة من مدينة طبرق.
ويقوم أشخاص ممن يملكون آلات الحفر ـ وأغلبهم من العمالة الوافدة ـ بحفر هذه الآبار بالتجاوز ، دون الحصول على تراخيص أو أي موافقات من السلطات المخولة.
ويربط بها المواطنون مواسير الصرف الصحي، لإنهاء مشكلة التصريف المنزلي كلياً ، والتخلص من مشاكل امتلاء خزانات منازلهم المخصصة لذلك، ومعاناة البحث عن شاحنة الشفط والنقل، وتكاليفها الباهظة إن وجدت .
فيما اشتكى أخرون من تضررهم من هذه الظاهرة؛ كونها تؤثر على المياه الجوفية التي يستخدمونها في الأغراض المنزلية من خلال حفرهم للآبار الارتوازية (صوندا) وتحلية مياهها.
مراسل وكالة أنباء (الرصيف) أجرى سلسلسة واسعة من الاتصالات وإجراء المقابلات مع المسؤولين المحليين أو المواطنين على حد سواء ، بهدف التعرف على الآثار المسببة لاستمرار عمليات حفر الآبار العشوائية في مدينة طبرق .
عبد العالي (مواطن) يسكن حي الحرية بمدينة طبرق، كان يعتزم إنشاء بئر(صوندا)، وتركيب محطة مصغرة بقوة(20) برميل يومياً للاكتفاء الذاتي ، بعد معاناته مشاكل نقص المياه ، وقال بهذا الشأن ، “ما أن جهّزت لمشروعي الصغير هذا ، واقتربت من تنفيذه ، حتى اجهض حلمي تصرف جاري الذي سبقني بحفر بئر؛ وربطه بمواسير الصرف الصحي المنزلي”.
وجار (عبد العالي) ، الذي فضل عدم ذكر اسمه برر فعله هذا ، بجهله لضرر ذلك ، ولا يعلم طبيعة باطن الأرض والأحواض المائية ، ولم يفكر عند قراره حفر (صوندا) إلا في معاناته من الصرف الصحي وكثرة فيضان خزان المياه السوداء بمنزله .
هذه الظاهرة التي تتسارع في الانتشار في ظل غياب الرقابة، تبقى مصدر قلق لأخرين من المواطنين؛ الذين يعتبرونها تقطع عليهم فرصة من المياه الجوفية للأغراض المنزلية – وربما حتى الشرب.
لكن مكتب الإصحاح البيئي في طبرق له رأي أخر؛ – ربما صادم للبعض -، كونه يرى إن الطبقات الجوفية غير مدروسة حتى الآن، لا يمكنه تحديد صلاحية المياه التي تضخ عن طريق حفر الآبار الارتوازية، للاستخدامات المنزلية، ناهيك عن استخدامها في الصرف الصحي.
و يرى خبير المياه المهندس سلامة عبدالحميد ، إن الطبيعة الجيولوجية لهضبة البطنان (طبرق) هي مكامن و أحواض ؛ ومعظمها غير متصلة ببعضها ، لهذا لا يوجد تداخل مباشر بينها ، وقال في حديثه لـ(الرصيف) إن “حقن المياه السوداء في هذه المكامن فعل خطير و يجب أن يوضع له حد.” .
وأضاف عبدالحميد ، “نسبة تلوث مياه الصرف الصحي المنزلي عالية جداً، ومختلطة ببكتيريا و فيروسات، وأنواع غير آمنة من المنظفات، مما يؤثر سلباً على مياه البئر الجوفي الذي تحقن فيه هذه المياه ، ومن الوارد أن تتسرب إلى أعماق أخرى وأحواض مجاورة وتلوثها” .
وأشار إلى حجم الخطورة ومكمنه من الناحية الكيميائية، أما البيولوجية فهي أقل ضرر مع تلك الأعماق ، فالبكتيريا معظمها لا تحتمل هذه الظروف وتموت ، الخطر كل الخطر هو التلوث الكيميائي ، لاحتواء المياه المحقونة على زيوت و غيرها من المواد ، مؤكداً على تسببها في الأمراض الخبيثة ، بالإضافة إلى الفشل الكلوي والانيميا الحادة، وغيرها من الأمراض.
شروط مسبقة
يضع مركز الحرس البلدي في الاعتبار أهمية الإجراءات، وهو على علم بحجم الخطر الداهم، حسب رئيسه عقيد صالح حمد، الذي قال لوكالة أنباء (الرصيف) “قمنا بالتنسيق مع مكتب مشروعات المجلس البلدي بإعداد نموذج للحصول على تصريح قبل شروع المواطن في حفر بئر (صوندا)، وهذا النموذج يشمل موافقات عدة جهات ذات علاقة شركات(الكهرباء، البريد، المياه والصرف الصحي)” .
وعن عدم اكتفاء هذه التصاريح والموافقات بالحد من الظاهرة ، قال حمد “نحن نتعامل مع بلاغات المواطنين و سنوقف كل مخالف يأتينا ضده بلاغاً” .
لكن منح هذه التراخيص، وانتظار البلاغات يراه مكتب الاصحاح وحماية البيئة لا يخضع لاعتبارات فنية وعلمية ــ حسب مدير مكتب حماية وإصحاح البيئة يونس عمران، الذي يصفه بالعمل العشوائي لا يتوافق و المعايير المطلوبة لحماية البيئة و المواطن.
وطالب عمران في حديثه لـ(الرصيف)، برقابة مشددة على المخالفين سواء في المنازل أو المزارع الواقعة في أطراف المدينة، معبراً عن استيائه حيال الجهات الرسمية في الدولة؛ كونها هي التي تساعد في انتشار الظاهرة بالحفر و دعم البعض بحجة حل أزمة المياه وندرتها دون أن تكلف نفسها إجراء دراسات تبحث في منسوب هذه الآبار وملوحتها، والمخاطر الناجمة عنها.
مشيراً إلى تحرير عدد من الخطابات من طرفهم إلى الجهات المسؤولة قُبلت بالتجاهل وعدم الرد، محذراً من إقحام مكتبهم في أي إجراءات بهذا الشأن، بقوله : “نحن نرفض بشدة و لا نقبل أن الزج باسمنا أو صفتنا كمكتب للإصحاح وحماية البيئة ، في أي اجراء لاستكمال الاجراءات الشكلية والإدارية، إلا بعد الموافقة على دراسات وأبحاث علمية تفيد بصلاحية المياه الجوفية للاستخدام البشري، وكذلك مدى خطورتها في حال حقنها بمياه الصرف الصحي .
ويعود انتشار ظاهرة حفر الآبار إلى جهل المواطن بحجم المخاطر الناجمة عنها، بالإضافة إلى تهالك وعدم جاهزية شبكة الصرف الصحي بالمدينة وانعدامها في أغلب الأحياء، خاصة المستحدثة، بالإضافة إلى كثرة المبان السكنية وازدياد الاستهلاك المنزلي مع التضخم السكاني غير المسبوق الذي تشهده طبرق في السنوات الأخيرة.