رؤية للعالم
بعيدا عن أعين الناس و فضولهم، لاذا بسفح ربوة بيضاء تطل على واد غير ذي زرع، في تلك القرية النائية المنسية. كانا جالسين القرفصاء يفترشان العشب اليابس . الشمس آذنت بالمغيب ، والكائنات بدأت تؤوب إلى مضاجعها : قطيع ماعز يثير سحابة غبار، وسرب طيور يخترق السماء الرمادية ، ونساء يحملن على كواهلهن حطبا ، وأطفال شاحبو السحنات يتقافزون.
حك موسى الشعيرات المبعثرة فوق رأسه، وأخذ يتأمل الأفق الأرجواني ، ثم قال لصاحبه وهو يحاوره : – إن أشد ما يحيرني هو مصير هذا القرص المتوهج المتدلي من السماء، لا أدري أين يختفي آخر النهار؟
سكت سليمان برهة، ثم تبسم ضاحكا، وقال: – كم أنت مغفل يا هذا ! أ مثل هذه الحقائق تعزب عن ذهنك، أيها المشهود له بالحكمة.
نظر إليه جليسه نظرة استعطاف متلعثما : – أفدني، واشف غليلي، يا سيد العارفين، وحذار أن تهرف بما لا تعرف، هات .. هات ما عندك ، وأجرك على الله .
سحب سليمان نفسا عميقا من ( السبسي )، ونفثه ، وبلع ريقه ، واعتدل في جلسته، تنحنح ، ثم تكلم و قد استبد به الغرور : – إن هذه الشمس الآفلة مثلها مثل الجمرة الملتهبة ، تتدحرج رويدا رويدا ، وتهوي في قرارة الماء .. فتنطفئ ويخمد أوارها ، وفي الصباح الموالي تطلع شمس أخرى جديدة ، وهذه اللعبة تتكرر كل يوم على مدى قرون وقرون .
بنشوة عارمة هتف موسى : – هائل ! هائل! أرحت بالي ، ونورت بصيرتي ، رحم الله من علمك ورباك .