«زمن الضفادع»
هي تسكن بناية يحتضنها وادي، ترسبت فيه الضفادع فتناسلت وتضاعفت حتى صارت قبائل وشعوب، تسمع لها نقيقا يبدأ في التصاعد منذ أن تتسلل بقايا خيوط الشمس مودّعة ويخيم ظلام الليل، فتحدث ضجيجا صاخبا وتبدأ الضفادع تصول وتجول بين أزقة هذا الوادي الهرم وفي ذهنها أنها تتربع على عرش من عروش الأرض. لذلك هي تبني مستقرا وتتحدى النُوَمَ فتقضي الليل تدير شؤونها المختلفة فلا تسمع لها خفوتا ولا يفتر لها عزم ولا تكل من النقيق بل وتتفنن في إطلاقه فتسمع لها لحانا متناغمة في الإزعاج وتأتيك الأصوات مدوية كطرقات المطرقة ثم كدق الطبول أو كحلول زلزال و في أحيان قليلة جدا تتوقف لبرهة من الزمن لتشحن طاقة جديدة فتنبعث أصواتها أشد حدة من ذي قبل.
تطلّ البناية على هذا الوادي فيبدو الجميع في سبات عميق وكأن الموت ألجمهم فلم يحركوا ساكنا أمام جبروت الضفادع، استسلم كل من في البناية ولم يحتجوا، وماشأنهم بذلك لقد حلوا حديثا بالمكان والضفادع تلازم مستقرها منذ أن كان الوادي يافعا يتدفق لا يبقي ولا يذر وكان الأهل يهابونه بعد أن أحبطت كل محاولاتهم في التصدي لهذا المارد العنيد والآن وبعد ان شاخ وضعف مابالهم لا يستعيدون شجاعتهم ويدافعون عن وجودهم؟ لماذا يستسلمون من جديد لنقيق مزعج لحيوانات ضئيلة حقيرة مقرفة تركن في المستنقعات والمياه الراكدة ؟ الآن وقد تهيأت لهم فرصة الإطاحة بمن قهرهم عبر الزمن الضارب في القدم كيف يستبدلون القهر والظلم بما هو أشد؟
كانت تتقلب في الفراش فتخفي انزعاجها من هذا النقيق -الذي يزداد حدة هذه الليلة بالذات- تضع الوسادة الأولى ثم الثانية فتحاول ان تثبتهما فوق أذنها علّها تتخلص من هذه المعاناة، ثمّ تتحرك في كل الاتجاهات باحثة عن وضع مناسب للنوم من جديد لكن جبروت الضفادع يتصاعد. لقد استفحل ضجيج الضفادع منذ تلك اللحظة التي اكتفى فيها الجيران بالتأفف في غرفهم المظلمة ولم يحاولوا أن يتّحدوا على كلمة واحدة ليصدّوا عدوان الضفادع ،هم من تركوا الحبل على القارب وانقسموا بين من يدعي اللامبالاة، فلا يرى ولا يسمع ولا يتكلم ومنهم من تعوّد على سماع النقيق فراح يستلذذه ويستزيده ومنهم من اكتفى بسد آذانه بالوسادة والوسادتين.
هؤلاء جميعا ساهموا معا في هيمنة صوت الضفادع في كل أنحاء الوادي فراح يطلق نقيقا مفزعا صاخبا ترعد له الاوصال. تحركت في الفراش ثم قررت أن تنهض وتفتش عن هذه الضفادع تقدمت نحو النافذة كان ضوء الشارع خافتا،- أتراه هو أيضا يهاب نقيق الضفادع فراح يختلس النظر إلى عالمها؟- لم تتبين أي أثر لها حدثت نفسها:«كيف لمخلوق ضئيل قميء لا حول ولا قوة له ان يهيمن على هذا العالم الزاخر بالسكان ؟حقا يودع الخالق قوته في أضعف خلقه» أصرّت على البحث عنها جالت بنظرها في كل الاتّجاهات لم تجد لها أثرا وهي تسمع أصواتها تتعالى شيئا فشيئا دام بحثها عنها ودامت أصواتها المزعجة حتى مطلع الفجر. ولما عادت خيوط الشمس تغشي السماء من جديد سكنت الضفادع وتوقفت عن إطلاق أصواتها المزعجة. قررت أن تعانق فراشها علهاتقتنص ما فاتها من نعاس. اخترق سمعها بغتة أصوات محركات الجرّافات وهي تغرس مخالبها الحديدية في الوادي تقلب أديم الأرض لتلقي في جوفها حمولة الأحجار في غدو ورواح معلنة بدء أشغال جسر يقي السكان سيلان الوادي شتاء ومخلصة العالم من عذاب نقيق الضفادع. تنهدت مستاءة وأطلقت آهة من أعماقها وهي تردد:«ألا نستحق الحياة في هذا الوجود؟، أليس أمامنا من بديل للضفادع إلا محركات الجرّافات التي تزيل التراب وتلقي بحمولة الأحجار ولا تشيد إلا الجسور المتهالكة على أرض رخوة؟، أحكم علينا أن ننتظر الحلول ونستسلم لكل ما يملى علينا؟ » ودامت الأشغال زمنا لا يعرف له نهاية. أما هي فهجرت المكان ولم يعرف لها طريقا إلى اليوم.