“شجرة مثمرة من الشرق “
مقال عن دكتورة نوال السعداوي
في نهاية المقدمة الثابتة لكتب الدكتورة نوال السعداوي يدور حوار بين سيدتين:
كم عمرك؟
مش فاكرة
مش معقولة إنتي
إنتي اللي مش معقولة
ازاي؟
إيه يهمك من عمري؟
عاوزه أعرف إنتي عشتي كام سنة.
ليه؟
مش عارفة.
أنا أيضا “مش عارفة” كم العمر الذي أريد أن يعيشه من أحبهم هل 100 سنة أم 130 مثلا؟!
لم أتخيل أن تغيب نوال السعداوي عن الحياة.. ووجدتني أتذكر تساؤل نيكوس كازانتزاكيس: “كنت صغيرا ولا أعرف لماذا يموت الناس.. أصبحت عجوزا ولا أعرف لماذا يموت الناس!”
هذا التفكير لا يصاحبني إلا ساعة غياب أشخاص وجودهم حياة.. أو جاهدوا من أجل حياة أفضل وأكثر عدلا وإنسانية.. ولم تجاهد امرأة في الشرق الأوسط بقدر نضال نوال السعداوي.. دفعت الكثير من حريتها وأمنها وراحة بالها؛ لكي ينعم غيرها من النساء والرجال بحياة تليق بالإنسان.. ورغم إيماني بأن “العظماء يرحلون بأجسادهم فقط” لم أستطع التحرر من حزن رحيل تلك المرأة العظيمة..
لم أكن أعرف أن شماتة أعداء نوال السعداوي في موتها هي ما يمكنها التخفيف من حزني؛ فقد أثبتت لي بقدر يفوق كل توقعاتي حجم تأثيرها.. وأن ما تركته من أعمال فكرية وإبداعية سيظل يؤرق ويحرك العقول.. وسواء كان التفكير حولها سلبيا أو إيجابيا هو ما يؤكد خلودها، وأن تضحياتها لن تذهب هباء..
على عكس من غضبوا من فجاجة وفجر الكارهين في خصومتهم.. رأيت ما صدر من المتعصبين طبيعيا وكاشفا لحقيقتهم.. وتبدو مثالية إلى حد السذاجة فكرة انتظار الاعتدال من متطرف!
لا يوجد عمل حقيقي إلا ويثير ضجة سلبية وإيجابية حوله.. وتلك النقاشات المحتدمة بين مؤيد ومعارض لأفكار نوال السعداوي غاية ما أرادته هذه الروح العظيمة؛ فهي لم تكن تنشد سوى تحريك للعقول..
الجرائم النبيلة لنوال السعداوي في الشرق:
– تحريضها على”تشغيل العقل” في الوقت الذي تفضل فيه الأغلبية الكسل في التفكير.. وترديد العبارات والأفكار المحفوظة.. وأكثرنا حقا ينطبق عليه مقولة “حافظ مش فاهم” فكيف يتجرأ إنسان ويدعونا للفهم؟!
– سعيها من أجل حقوق المرأة في مجتمع ذكوري يرفض نساؤه قبل رجاله مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات!
– أنها امرأة.. والمرأة الشرقية غالبا مدانة وإن لم تخرج عن الأطر المحددة لها.. فماذا لو اقترفت جريمة التفكير، وسعت لتحطيم التابوهات!
أكثر كتب نوال السعداوي الفكرية قربا لقلبي
“الأنثى هي الأصل” مرت فيه مرورا مكثفا على حال المرأة عبر العصور متناولة إياها بيولوجيا، وفسيولوجيا، وسيكولوجيا، مستندة في نتائجها البحثية على حقائق علمية وتاريخية ودينية وجغرافية.. مما يجعل البحث شاملا ودقيقا.. من خلال لغة بسيطة يسهل على القارئ فهمها أيا كان مستوى ثقافته..
رواية “سقوط الإمام” هي أقرب أعمالها الأدبية لي.. ولا يوجد كتاب قرأته لنوال السعداوي إلا وأضاف لي متعة القراءة والتفكير معا..
عندما قالت نوال السعداوي “مافيش موت” كانت تعنيها تماما؛ فكتبها وما تركته في نفوس من أثرت بهم سيظل حيا لا يموت..