عندما تصدأ الذاكرة …
تقول الأناشيد الوطنية :
( إن وراء كل عقيدٍة صلبٍة تاريخًا من الإنجازاِت البيِض ) ، ولكني لم أَرَ سوى سيٍف أبيَض تخضبَ بالأحمِر حينما ودعنا الأندلس .
في الأندلس كان لي موعٌد لم يأِت ، ولم يحن قطاُف قبلهِ لكّن أمي تزعُم أني تأخرُت في القدوم ، ففررتَ من قرطبة إلى صقلية ،ثم وّليتَ
هاربًا إلى فرنسا خوفًا من الموت … تبرُر أمي لك فتقول :
( ربما كان يأمُل بلقائِك … لكني لم أحمْل بِك مبكرًا ) .
ماذا تنفعني مواعيُد ليست على مقاس لهفتي ، وماذا يعني أن أشرَب خمر الأندلس من غيِر أن يكون لي نديٌم يعاقرني الحّب ، وما قيمة حجابي في زمنٍ لا أرى فيه للتدينِ طريقًا إلا في أحياِء الخائفين من الله
لا المحبين فيه وله … ا
أذكر أني استيقظتُ ؛ لأن برد هذا الشهر ممرضٌ حدّ الكآبة، وأذكر أني أردتُ أن أذكرك بما تمناه قلبك يومًا عندما قلت لي في حلمي أمس :
( انتظرتُكِ حتى تعتقتْ كروُم الصبِر عندي ، فصرتُ رجلًا أنقّي حباِت الحّب ، وأحفظها من مطحنِة الوقِت ، وعدادِ العمِر … ليتِكِ تعلميَن حجمَ الخسارةِ التي أطاحتْ بي ! ) .
أنا لا أعرُف معنى أن يتأخرَ المرُء عمن يحبُّه ؛ لأني لم أتفقه جيدًا فقه العاشقين ، ففي بلدي عماماتٌ تخافُ الحبّ ، وتخشى معه أن تفقد
منصبها إن هي قالت :
( حيّ على خير العمل ) .
كنتُ على ثقةٍ أن خيَر العملِ لا يكوُن إلا بخيِر الحّب ؛ لُيتقَن فينتشر … هل تعلُم مقداَر تشوقي إلى لقائك ، أنت الذي تكونُ نصفي في ملكوِت ولا ألقاَك إلا حلمًا يقّض مضجعي، ولربما كنتَ أملًا مخففًا لعذاب ، اسمه (المقامرة)، وأي مقامرة كالمقامرة على شرف أن تبقى نابضًا ؟ … بالحب ليتك تطيل مكوثك في أحلامي؛ لأخبرك بما أحبه أو لتخبرني بما لقيَتُه في مواعيد تأخري عنك، ولكن هل كنا سنتفق ؟
ألم تكن لتطمح إلى نيل رضا ولادة الجميلة ؟
ألم تحلم أن تنهي سجنك قبل أن يفوت الأوان ؟
وكأني أذكرك بمحمود درويش حين يقول :
( هل سكنتك امرأٌة سواي
لتجهَش كلما التفتْ
على جذعي فروعك ؟ )
لا يهم يا سيد الانتظار، ولكَم يسعدني أن ألقاك طيفًا في الكرى، ساحبًا ذيوَل الوقت ،حريصًا على لقائي ،وقد تذرعتَ بتأخري العمري ،وَسكنََِك
في غياهِب المجهول .
ب … ” يا موتنا المشتهى ” باركْ لنا قلوبًا ائتلفتْ في السموات، لا طاقَة عندها لتناَل الائتلاَف الأرضي لعائقٍ يسمى عداَد الوقت …
ترى أين تكون يا أنت، أيها الجميل حيث أنت ،المتشُح بنبل أيامك ،الحريُص على حراسِة نومي في أياِم القلق ؟ .
ترى هل أستطيع أن أغني لك عندما ألقاك ، تنادي ابنتك التي سميتها باسمي تيمنًا للحب الذي لا يأتي :
كنت مفكرتك برات ( كيفك قال عم بقولو صار عندك ولاد … أنا والبلاد …)
أي حّب سيكون أجمَل من حبي ذلك الحّب الذي تكاد تقسم إنه مقدٌر في عالمِ ما بعد الموت، في عالمٍ تبقى فيه مؤمنًا حيًا؛ لأنك اعتنقت الحّب دينًا .
وإليك إليك أرّدد قول درويش :
( لا أعرف المعنى ، تقول
ولا أنا
لغتي شظاي
كغياب امرأة عن المعنى … )
ولأني أخاف أن يدركني البحر مثله سأغني لبريد غربتنا في هذا الصباح ؛ كي لا أكرر خيبتين في خيبة … ولك أن تغني لي:
( يا سنين اللي رحتي ارجعيلي … ارجعيلي شي مرة ارجعيلي
ورديلي ضحكات اللي راحوا … اللي بعدها بزوايا الساحات ) .
وبعد … إنها السابعة إلا نصُفك العاجي وفي تمامها دومًا:
(لا حب الا لك).