غراميّات “فوزية”
ٲثناء حديث جارتنا العزيزة “فوزية” مع أمي ٲمام عتبة المنزل عمّٙا تسميه بغرامياتها القديمة مع “وْلاد الدُّوار”٬ كنت أتسلّل بين الحين والآخر٬ وأتظاهر أنّي ألعب ب “الطرومبية”٬ لأسترق السمع٬ وما إن تفطن أمي إلى وجودي حتى تضربني على رأسي بإحدى فردتي “الشربيل” ويتبعني صوتها٬ يتلقفني بالشتم والوعيد كنت أسمعها تقول لأمي أنّ جمالها وحسنها ورشاقتها التي كانت تتمتع بهم قبل أن تتوالى عليها أيام الزمن الغشوم، لم يشهد بهم تاريخ من قبل٬ لقد جعلت “ولاد الدوار” يتنافسون على استمالة قلبها٬ حتى تختار من بينهم حبيباً لها٬ لقد كانت نظرة واحدة من عينيها الواسعتين الكبيرتين تكفي لٳعادتهم ٳلى الحياة، وأنّ شعرها الطويل الذهبي اللاّمع كان يشعل نار الفتنة في الدّوار كله، فكم من متزوج طلق زوجته، وكم من خاطب فسخ خطبته، وكم عاقل أصبح مجنوناً، وكم مجنون عاد إليه رشده… كنت أرى عينٙا أمي تتسع وهي تحدجها بنظرات غير مصدقة لما تقوله، وتتفحص وجهها الشائخ، وجسمها المكتنز المترهل، وشعرها الذي يشبه “الجيكس” في خشونته وتشعثه… وكٲنها ٲمسكت بدليل دامغ يفضح كذبها… فكانت تجيب أمي على نظراتها تلك بكل وقاحة وهي تفتعل التحسر: -“الله ينعل بو الزواج، ولي يجي منو”، هو السبب في حالتي هاته ودون ٲن ٲسمع باقي الحديث الذي دار بينهما٬ سمعت أمي تعتذر لفوزية بشدة أنها تركت “الطاجين” فوق النار وتعدها أن تسمع منها في المرة المقبلة باقي الحديث الشيّق لم يكن هناك طاجين أو غيره فوق النار، فقط أرادت أمي أن تتخلص من حديث “فوزية” الكاذب، لكني لا أظن أن هذا ما كان يزعج أمي حقاً، لقد كان يزعجها أن “فوزية” تحب أن تكون محور الاهتمام وتستعرض عضلاتها في تٲليف القصص الكاذبة٬ فلا تترك لها مجال الحديث هي الأخرى عن غرامياتها التي ليست ٲقل كذباً وتٲليفاً من غراميات “فوزية” فتحت عينيّ بعد منتصف اللّيل، وجدت نفسي أجلس نصف عارٍ على الدّٙرٙج الرّخامي البارد دون أن أدري من الذي أتى بي من فراشي إلى هناك، كان القميص الذي ارتديته الليلة الماضية قبل خلودي إلى النوم نصفه قد تبلل وتكمش وقد رُفع قليلاً إلى صدري، ويدي تمسكه من ٲسفله… رأت عيناي كل هذا في شبه وعي، وعدت من جديد مستسلماً إلى الحلم الجميل الذي قطعته برودة الرخام… “إني أرى “فوزية” رشيقةً، جميلةً وجذابةً كما وصفت نفسها القديمة لأمي، إلاّ أنّ الحلم سمح لنفسه أن يجردها من ملابسها ويكشفها عارية مثلي لا ليس مثلي… لقد كنت في الحلم بنفس القميص المبلّل المكمّش، أنظر إلى فوزية وهي ترقص عارية٬ تتمايل بخطوات مترنحة يميناً وشمالاً… يا إلهي كيف استطاع الحلم أن يصورها بتلك الدقة التي وصفت نفسها بها؟ بل وٲسبغ عليها من موهبته كفنان ٲضاف لمسته الخاصة في لوحة فنية ليست من لوحاته… نفس العينين الواسعتين الكبيرتين، نفس الشعر الطويل الذهبي اللاّمع يغطي ظهرها، لا شكّ أن الحلم كان يسترق السمع هو الآخر كما كنت أفعل أنا جذبتني “فوزية” من على الدّٙرٙج بلطف لأشاركها الرقص، يا لفرحتي!… لقد اختارتني ٲنا من بين كل المتنافسين “ولاد الدوار” واستطعت أن أحظى بنظراتها الملتهبة شوقاً٬ ولمسات من جسدها العاري، لقد كنا نرقص على ألحان هادئة، جعلت جسدينا جسداً واحداً” اختلطت عليّ الأمور، فلم أستطع أن أميز بين الحلم والحقيقة، هل رقصي مع “فوزية” هو الحقيقة وجلوسي على الدّٙرٙج في منتصف الليل هو الحلم؟ لم تطل حيرتي كثيراً فقد أجابتني أمي في الحين بضربة من العصا الخشبية خلفت آثاراً فوق الآثار القديمة التي توالت على جسدي بالتكرار حتى ألفها -بلّلت الفراش مرة أخرى “أ مسخوط الوالدين” قفزت دون وعي أربع درجات من السلم، أدعك عينيّٙ، لأميز في الحال الحقيقة من الحلم.