في كلّ يومٍ تولدُ طفلةٌ جميلة
ستعودُ بعدَ التّاسعةِ ليلاً. كانت قد وضعتْ طفلتَها الجديدةَ بينَ يديّ بحرصٍ بالغٍ، تظلّ قلقةً حتّى أعبّرَ عن انبهاري بجمالِ هذه المولودةِ الأثيريّة، تستأذنُ، وتتركني مع طفلتها ريثما تُنهي بعضَ المهمّات العاجلة، وأنا كذلك أكونُ قد أنهيتُ جزءاً من أعمالي غيرِ المُلحّة. تتركُ طفلتَها تحتَ ناظريّ، أراوِحُ بين أعمالي وبينَ النّظرِ إلى وجه هذه الطّفلةِ البارعةِ البريئةِ، الّتي حملتُها من مهدِها إلى مهدٍ جديدٍ لتكونَ قربي كلّ حينٍ، بل لتكونَ عضواً أصيلاً فيّ. إنّها طفلتي أيضاً.
ستعودُ أمّها لنتحدثَ بشأنِ الطّفلةِ الجديدة، كأيّ أبوين يناقشان أمرَ مولودِهما الجديد، لم نعُدْ ننشغلُ بإطلاقِ الأسماءِ على أطفالِنا الجُدُدِ، أحسسْنا أنّنا لو فعلنا ذلك سيحدّ من جمالِ أولئكَ الأطفال ويحدّده، لذلك توقّفنا عن هذه العادة الّتي لا تليقُ بأطفالنا الموهوبين المُختلفين، فليكن كلُّ الطّفلةِ اسما، وما المانعُ؟ أليستْ تلك فكرةً مختلفةً تماما؟
ستعودُ أمّها ليلاً، مشتاقةً لطفلتِها الجديدة، الّتي ولدت صباحَ هذا اليوم. إنّها طفلةٌ زاهيةٌ بالفعل، متناسقةٌ، نحيلةٌ كالعادة، ذكيّةٌ، مشعّةُ العينيْن، معطّرةٌ بروائحِ الأمواجِ البحريّة الهادئة، طويلة القامة، أفرعُ من أخواتها اللّواتي ولدنَ قبلَ أيّام، طفلةٌ بارعةٌ، حنونٌ، تضحكُ بلطفٍ، ترقصُ بشغفٍ كبير، تعزفُ موسيقى نادرة اللّحنِ تتسرّب فينا بخشوعٍ، تقودُني وأمّها إلى بهْـوِ الغُرَفِ المليئةِ بالورودِ، طفلةٌ مُدلّلة، كأمّها تماماً. أمّها تقولُ: إنّها تتدلّل عليّ. أحبّ دلال الطّفلة حبّي العظيمِ لدلالِ أمّها. طفلةٌ تذهبُ في الزّينةِ مذاهبَها غيرِ الاعتياديّةِ كلّ مساءٍ. نكونُ معَها بحضرتها صامتَيْنِ، محدّقَيْنِ في هذا الجمالِ المولودِ ساعةَ من نهارٍ، مُغْتسلاً بماءِ الوحيِ النقيّ، لتصيرَ فتاةً ناضجةً ضاجّة بالأنوثةِ والسّحرِ، وهيَ تُغنّي على شفاه القمر.
سنعودُ بعدَ التّاسعةِ معاً، لنراقصَ طفلتَنا الجديدةَ المُبْهِرة. ونحتفيَ بما نبتَ على ملامحِها من مهابةٍ وضياء، ونزفَّها إلى ذلكَ العالمِ الباحثِ عنْ متعةٍ فكريّة في كيانِ طفلةٍ تشبهُ الشّعرَ، لكنّها قصيدةٌ كاملةٌ الخِلقةِ بهيّةُ الرّوحِ، عذبةٌ كماءِ نهرٍ في جنّةِ الفِردوس، عظيمةً كصلاة مؤمنٍ في رحابِ كونِ اللهِ الفسيح.