ماأجمل أن نتقاسم لذة تشكيل الحرف ومتعة تقطير المعنى
“تحت سماء زرقاء” عنوان مخاتل يوهمنا بالصّفاء بالسّعادة ويغرينا بالفرح… أليست زرقة السّماء تقترن في أذهاننا عادة بطبيعة جميلة خلاّبة عصافيرها شادية وشمسها دافئة..؟ بيد أنّنا ما إن نتجاوز عتبة الولوج ونبدأ في قراءة السّطور الأولى للأقصوصة حتّى تنتابنا الحيرة… فالسّماء هاهنا قد اربدّت سحنتها بغيوم سوداء تنذر بالشّرّ والويل والثّبور… بل إنّها تنغرس شديدا في نفوسنا فتبعث فينا الجزع وحتّى الحزن… ونتصوّر أنّنا أمام إمرأة متشائمة هجرها حبيبها فاسودّت الآفاق من حولها فصارت تناجيه و تستعيد معه ذكريات جميلة … إنّنا إذن إزاء حكاية شرقيّة… ولا شكّ أنّ بنيتها ستكون دائريّة … فالسّماء الزّرقاء عنوان النّصّ سنعود إليه في خاتمة الحكاية ….سيجتمع شمل الحبيبين… وتعود السّماء لصفائها واشراقها… بل تتبادر إلى أذهاننا أسطورة أدونيس فنعقد بينها وبين هذه الحكاية علاقة مشابهة …ألم تعد الحياة للطّبيعة بعودة أدونيس لحبيبته
بيد أنّ الغائب لم يعد… لقد سجن كأدونيس ولكنّ سجنه كان مؤبّدا لا موسميّا كفتى الأسطورة… بيرسيفوني شرّيرة الأسطورة كانت أكثر رحمة من أشرار هذا العصر … هي منحت أدونيس فرصة للحياة …منحت أفروديت فرصة للسّعادة والفرح … أعادت الرّبيع بسمائه الزّرقاء إلى كوكب الأرض… أشرار هذا العصر رفعوا راياتهم السّوداء حتّى
حجبت السّماء…رفعوا سكاكينهم السّوداء فأهرقوا دماء بريئة…. سكبوا حقدهم على تلك الرّقعة الزّرقاء… أضرموا فيها النّار… صارت سوداء.. مربدّة.. قاتمة.. لا أفق أو امتداد لها …إنّهم كانوا خنزير الأسطورة قتلوا أدونيس… ضرّجوا بدمائه التّراب وخلّفوا خلفه أفروديته تندبه وتبكيه بكاء شديدا … ولأنّهم سرقوا سماءها الزّرقاء… فإنّها صنعت لها سماء أخرى… نعم هي مجرّد سماء افتراضيّة ولكنّها زرقاء… نعم هي سماء من وهم ولكنّها رقعة تلوذ بها تستنشق بعض فرح… تتعافى من بعض ألم … تتخفّف من وطأة حزن عنيف…أو ليس الخيال الملاذ الأخير للمنكوبين في هذه الحياة… فلولا الخيال لانقرض الإنسان
حكاية السّماء الزّرقاء الافتراضيّة قد تبدو حلاّ سحريّا لإنسان متعب ولكنّها قد تزيده تعبا على تعبه … أو ليست الشّاشات الزّرقاء في لغة الحواسيب إنذارا بقرب النّهاية … وانهيار النّظام برمّته… ألا يسمّيها أخصّائيّو البرامج شاشة الموت…فلا حياة بعد حبيب كان كلّ الحياة… و إن حاولت الأمّ ترميم مايمكن ترميمه و سعى الأب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه كما يسعى محترفو التّعامل مع الحواسيب و الفرمتة إنقاذ الجهاز من الانهيار دون جدوى
تلك كانت “تحت سماء زرقاء” حكاية من عشرات الحكايات في هذا الزّمن الصّعب …هي سيرة واحدة من مئات النّساء في وطني …أولئك اللّواتي اسودّت السّماء أمامهنّ… تضرّجت الأرض تحت أقدامهنّ بدماء أحبّتهنّ فتلك زوجة فقدت زوجا وتلك حبيبة ضاع منها حبيبها وتلك أمّ أضاعت كبدها هناك في الجبل البعيد حيث تنصب الكمائن لتقتنص أرواح الأبرياء…و لانعرف سببا واضحا لكلّ هذا البلاء
“تحت سماء زرقاء” شهادة تكريم واعتراف بفضل أولئك الّذين أحبّوا الوطن ففدوه بأرواحهم فعلا لا قولا و كانوا جدار صدّ منيعا لأعدائه الألدّاء ودفعوا ثمن استقراره من دمائهم الزّكيّة و دموع أحبّتهم الغزيرة فشكرا لقلم قرّر أن يكرّم بطريقته هؤلاء الأبطال شكرا نجاة لهذه الأقصوصة الأنيقة على حزنها
رحم اللّه شهداء الوطن وحمى الوطن من أعدائه الألدّاء