جدي “براك” كان يعشق جمع الأحجار الغريبة ، ومع القليل من لغة “السِّيلْ” المحلية القديمة كان يبيعها في شكل تحف نادرة للسياح الذين يعبرون جسر وادي “بْرَايْن” في اتجاه “بَّانْتُّولا” المدينة أو العاصمة “بَّلاطا” ؛ إلى القارعة “بَنْدل” لا تكثرت ، تجلس إلى جنبه القرفصاء ، يابسة ك” القديدة” و لا يهمها من ينظر إليها بعين الرضى أو بعين الاحتقار ، و في رهبة العجائز تقبل الأحجار الغريبة وتعيد ترتيبها على البساط ، تعتبرها كائنات تتكلم و تسمع و تفهم ، لكنها سُجنت عن الكلام وكممت أفواهها وتحولت إلى جماد ؛ صرت أقبل الأحجار ذات الأشكال بتلك الرهبة وبذلك الوجل ، تأسيا بجدتي “بَنْدل” هذه العجوز ، وأحس بالذنب وتأنيب الضمير اتجاهها كلما حاولت العبث بها أو الحَط من كرامتها ،هي بداية تحول الطفل “صُبْح” من حياة الربيع تم الأزهار والفراشات إلى حياة الخريف ،الحياة الغامضة ؛ أقف بجلال أنظر إلى شجرة يابسة فارقتها الحياة وبقيت شبحا مخيفا ، وأتهيب من رؤية شمس هاربة تغرق قريتي في هضبة ليل بهيم ، للظلمة طعمها ، إنها رداء المرارة ، لا شيء يحمي من الغربة و لا أرغب في أن أتحول إلى حجر ،الطبيعة بمكرها ومقتها وخيلها ورَجْلها ترغب في ذلك ، ترغب في أن تحولني إلى حجر ، تعبث به الأيادي وتتخطاه الأرجل ، يستبد بي الخوف أحيانا وأنا ملقى على ظهري بين النوم واليقظة أتخيل بأنني تحولت إلى حجر غريب في شكل غامض !، شعور يرمي بي في الحتف و في اللانهاية، فأبدأ في البحث عن اللغة التي سأتقاسمها مع الأحجار في هذا الأديم الأزلي، كنت أخاف أن يتحول أخي “فلاد” وشغبه الجميل إلى حجر كما أختي “بَّنَها” هي الأخرى وتفارق البكاء و اللعب ودميتها المصنوعة من القماش ..أبي “آسر” حجر خشن ، هكذا أراه ، على الأقل وأنا طفل ، يدفعني للإيمان بهذا والدفاع عنه شاربه الكث وحاجباه وبنيته الضخمة ،ثم صراخه الكثير ..في المقابل أمي “آمَّى” كنت أراها حجرا أملسا نزلت من عل مع الماء لتستقر من الضفة في تلك الغرفة القصيرة المطلة على وادي “براين” ، أرمي الغطاء من فوقي وأصيح قائلا : أنا صرت حجرا !!..أنا صرت حجرا !! ثم أخبو بعدما أدرك بأن إخوتي من حولي نيام ..