مكافآت الغرب الثقافية
رواية إليف شافاق (روائية أمريكية من أصل تركي) الجديدة، (بنات حواء الثلاث)، تجاوزت فعل ونموذج السرد إلى منطقة الثرد والحشو غير المبرر، والذي لا يخدم الرواية بغير الترهل الممل وهدر زمن المتلقي، بما يكتب لأغراض ودوافع سياسية، هدفها إرضاء التوجه الايديولوجي لدول أوربا والولايات المتحدة، والذي يقوم على فكرة وثقافة من يريد أن ينال عطايانا المادية والاعلامية، فليكتب ما هو في سياق توجهاتنا، والتي هي في حقيقتها، ليست سوى برنامجاً مسبوكاً لمسخ وتسفيه ثقافة الشرق العربي والإسلامي. إليف شافاق تغرق عملها الجديد (بنات حواء الثلاث) بتفاصيل تأريخية وإجتماعية (تدين وتسفه مراحل تايخية وثقافية في تأريخ تركيا الحديثة) لا يحتاجها العمل الروائي ولا تخدم حبكته ولا موضوعه ولا مقولته بشيء، في كل حال؛ والغريب أنها تعرض له بإسلوب ساذج وممل، كأي كاتب مبتدئ هدفه حشو أكبر عدد من الصفحات من أجل تثخين عمله، على أمل أن يقال عنه إنه عمل جيد مادام بكل هذا السمك وهذا العدد الضخم من الصفحات (الرواية ب 610 صفحة)! لقد حشرت شافاق من التفاصيل التافهة والمملة، في (بنات حواء الثلاث) ما أجبرني، عديد المرات، على قلب الصفحات، دون قرأة، على أمل أن أصل لفقرة تعود بي لموضوع الرواية الأساسي… فبم أفادتك تلك التفاصيل، يا شافاق، على الأقل فنياً، وخاصة بعد تراكم الخبرة لديكِ؟ الملاحظة ذاتها سجلتها على نتاج الكاتب الأوربي، من أصل عراقي، علي بدر، وهي الغرق في التفاصيل التافهة والسياحات الإنشائية، التي لا تخدم العمل الإبداعي بشيء، بل وتضره أشد الضرر، مع فارق بين الإثنين، هو أن علي بدر يعاني من فشل لغوي وإملائي وأدبي كبير، قياساً لأليف شافاق التي تجيد لغتها، املاءً ونحواً وصرفاً، وإنشاءً أدبياً، بإحكام يفتقر إليه علي بدر للأسف. خلاصة القول، وما أود أن أخلص إليه في هذه العجالة هو: أن أمريكا وأوربا تحتضن وتطلق من الكتاب المشارقة، عرب وغير عرب، والمسلمين منهم على وجه الخصوص، أنصاف الأدباء ممن يسخرون كتاباتهم لخدمة مشروع ثقافي – ايديولوجي تسعى لتحقيقه هذه الدول، بدأب وصمت نملة، ظاهره رعاية الطاقات الإبداعية التي لم تحصل على فرصها في بلدانها الأم، وباطنه هو تسفيه وتتفيه القيم والبنى الإجتماعية والإخلاقية لتلك المجتمعات وبناها الثقافية، التي تمثل هوياتها القومية والوطنية والإجتماعية، وبالتالي الكيانية والسياسية، كدول مستقلة. والسؤال هو: هل تمثل إليف شافاق وعلي بدر (الذي لا يجيد بناء جملة أدبية حقيقية)، وأسوقهما هنا كمثالين يصدحان على صفحات الماكنة الإعلامية الغربية، كل هذه العناية الإعلامية والتسويقية، وأن تترجم أعمالهما لعشرات اللغات وأن تطبع بملايين النسخ وبعديد الطبعات، لأنهما يمثلان حالة إبداعية متفردة فعلاً؟ إنهما، وثمة أسماء عربية ومشرقية قليلة أخرى، يعاملان كظاهرة إبداعية تضاهي ظاهرة غابريل غارسيا ماركيز، في حين أن التركية شافاق، لم يلفت نظرنا في كتاباتها غير روايتها (لقيطة اسطنبول) في كونها عملاً ناضجاً ومستوفياً للشروط الإبداعية، أما علي بدر، ومن يضطهد نفسه لإتمام أحد كتبه، فإنه سيعلن بعدها توبة نصوح عن قراءته… وإلى الأبد. وإستكمالاً لهذه الملاحظات، لابد من التنويه إلى أن المؤسسات الثقافية ودور النشر الغربية قامت، وتقوم، بترجمة والترويج لأغلب الروايات التي تتناول بالعرض والإدانة، لمواضيع الهجرة غير الشرعية، عبر البحر المتوسط، وكذلك الروايات التي تعرض وتدين الإرهاب، من الوجهة التي تراها المؤسسات الايديولوجية والسياسية الغربية، وبغض النظر عن القيمة الإبداعية والفكرية لها أو لمنشئيها. وبرأيي، والذي قد يثير حفيظة البعض، أرى أن السلوك الأوربي هذا، هو ذاته الذي حرك جائزة نوبل لمنح عطيتها المادية، للعربي الوحيد في عمرها، الذي تجاوز القرن، نجيب محفوظ، ليس تقديراً منها لجهده الإبداعي، إنما تقديراً، من الصهيونية العالمية، لكونه لم يكتب شيئاً يستحق الذكر عن القضية الفلسطينية طوال مسيرته الكتابية، رغم أنه عاصر فجيعتها ومعاناتها من أول يوم لها، كأزمة طفحت على سطح الذاكرة الإنسانية والسياسة الدولية… وعليه، فإن من يفكر في مكآفئة نوبل عليه أن ينحى منحى محفوظ، الذي لم يقترب مما نكره، لا تصريحاً ولا تلميحاً… ولينتظر منتنا ولو بعد قرن آخر من عمر نوبل الغراء.