– من يعزي من ؟!
رزق فرج رزق / طبرق
تتوالى أخبار الفاجعة وتداعياتها كل لحظة و كل ساعة، و تضعنا أمام مسؤولياتنا، المراقب يرى أن الخير فيما أختاره الله، و يعود بحجم الوجع إلى الله في قوله تعالى : (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا أنا لله وأنا إليه راجعون) ..
والله ، أن الأمر جلل و الصدمة الأولى عظيمة، وهول الموقف لا تستوعبه عقولنا، و الفقد صعب، فمن يعزي من؟
وكيف سيكون العزاء؟ وإلى أين سيأخذنا الوجع؟
أقل عزاء هو تقديم النواب والحكومة بكامل حقائبها استقالاتهم وإعلان فشلهم، وعدم تدخلهم في أي شأن يتعلق بالكارثة، و علمهم أن مشاركتهم في أي حلول هو جزء من الكارثة..
والسؤال العريض المطروح الأن : من يجبر الضرر ؟ وكيف ؟!
لا يختلف اثنان أن المُصاب نتاج كارثة طبيعية لا يقوى عليها إلا الله عز وجل ، و لكن ثمة أمر إذا -أخذنا بالأسباب- تقع على البعض المسؤولية، و بدءاً بالسلطات المحلية في المدن المنكوبة عامة و في درنة خاصة، مروروا بالحكومات المتعاقبة و وقوفاً عند أعلى السلطات مجلس النواب الغارق في الوحل، و الشريك في الفساد والساكت عن الحق.
من يجبر الضرر.. ؟ في تقديري لن يكون المجرم من البكائين إلى جنب الضحية، و لن تمنح لهم فرصة الذهاب بالحقائق إلى مخرج مادي وإدارة الأموال أثناء الأزمة، والقفز من مركب المسؤولية، كما تمخض مجلس النواب ليلد لنا قراراته المحملة بالوهم، مليارات يقرها عشوائياً، دون أن يكلف نفسه معرفة حجم الخسائر في الأرواح قبل الممتلكات من مبانٍ وغيرها.
جبر الضرر يبدأ معنوياً بعدة إجراءات من شأنها أن تخفف الوجع وتعزي الأهالي، أولها محاسبة الفاسدين الذين لهم علاقة من قريب أو بعيد بإهمال السدود، حتى انهارات، والقائمين على مراكز الإرصاد الذين لم ينقلوا المعلومات بحجمها إلى الناس و السلطات التي لم تجبر الناس على إخلاء المنطقة المحتمل غرقها، بدلا من جبرهم على حظر التجول، التحقيق في تاريخ السدود في درنة وماذا اتخذ فيها من إجراءات صيانة ومن تواطئ، ومن تاجر في أرواح الناس، بتوقيع عقود وتسيل أموال لتنهب بدلاً من إتمام العمل والصيانة.
من جبر الضرر أيضا أن تُكلف فرق عمل متخصصة و مؤهلة لحصر الأضرار البشرية من موتى و مصابين ومفقودين، والتعامل مع الموجودين بشيء فيه من أدمية الانسان الاحترام و التقدير، و التوقف عن تصوير الناجين في لحظات انهيارهم و استدراجهم في الحديث للكاميرا لتوثيق الصدمة و الفاجعة بشكل هستيري سيزيد من الوجع بدلا من التخفيف .
التأزر الشعبي و تضامن وتكافل الأهالي من كل أرجاء البلاد هو ضمن جبر الضرر المعنوي، واحتواء أهالي المناطق المنكوبة علاج نفسي كالمسكن المؤقت إلى أن يصل العلاج.
العزاء واحد والمُصاب جلل! فمن يعزي من؟
الموت في درنة والمآتم تنصب خيامها في كل مدن وقرى ليبيا.. من يبكي درنة؟ ومن يسكب دموع الحرقة على أحبابه وأصحابه.. لا تكفيه الدموع و إعلان الحداد وتنكيس الأعلام، من يبكي الآن لا تمسح دمعته إلا محاسبة من يستحق العقاب أمام عينيه، لكي يشعر بشيء قليل من الراحة لكثير من الوجع..
ومن ثم يأتي الحديث عن التعويض المادي -جبر الضرر المادي- وهو أسهل بكثير من الضرر المعنوي، فهو حصر الأضرار و تقديرها مادياً بالنسبة للخسائر المادية والمباني وإعادة أعمار المدينة و بناء وحدات سكنية لائقة وبمواصفات فنية تراعي طبيعة المنطقة و تاريخ المدينة و أذواق أهاليها، أما الأرواح فعلى عاتق الدولة دفع ديتهم لذويهم و التكفل بتعويضهم مادياً بتشريع قوانين تكفل ذالك وفي أسرع وقت ممكن، لاتدعهم في فلك التعاطف و جمع التبرعات و التصدق عليهم ، أهل درنةأعزاء هم من جاور صحابة رسول الله، لاتذلوهم، ما سيقدم لهم فهو حق مشروع ومطلب واستحقاق أقل ما يمكن فعله هو تقديمه على وجه السرعة.
المعنوي أولاً والمادي ثانياً ، وما عداها تفاصيل تحتاج إلى ترتيب ..
ساختم بعنوان مقال صديقنا العزيز أحد ضحايا هذه الفاجعة (مصطفى الطرابلسي) رحمه الله (صرخة على “وادي درنة”.. لكن فيك ياوادي)
رحم الله الأموات.. و خفف الله على الأحياء و ألهمهم الصبر، فهو نعم المولى ونعم النصير