صحيفة الخبر الالكترونية صحيفة اخبارية تهتم بالشأن الثقافي والإنساني
مقالات مشابهة
نيكوس كازانتزاكيس ( النسر الكريتي) (1/2)
1955 ــــ 2013
عبدالسلام عمر سوف *
ليست صفحات الكتاب بأسطرها وحروفها (جماد) قد تكون زاخرة بالحياة.وقد تكون بحراً، أو سيمفونية ، وقد نعشقها أو نعشقه بحب وتآلف أبدى أليس هو خير جليس؟ عمالقة أثروا ألأدب والكلمة أرث إنساني، مَثَلهم مثل الإهرامات، صور الصين، البتراء، تاج محل، نيكوس، أرنست ،كافكا،هيجو،كامو ، كولن، العقاد ، محفوظ ،إحسان، والمنسي قنديل، والنيهوم .وغيرهم كثر. لسبب أو لعدة أسباب أصبح الكتاب و القراءة في سبات، تخوم من الكتب و البحوث في علوم مختلفة على الأرفف يعلوها الغبار والتلف ، القارئ في تناقص ، من الممكن ما بداخل الكتاب أو البحث، يتم عرضه بالصحف والمجلات كا كبسولات سهلة الهضم .كما هي تغذية رواد الفضاء.
نيكوس كازانتزاكيس
معاناة العقل ورحلة البحث ، بتّغير الرؤى والمكان و تجدد الشعور جذلاً أو استياءاً. أديباً وشاعرا و روائياً ( نقيآعذبآ مع كل الكائنات وبلاحدود شديد القسوه مع نفسه دائم الشعور بان ساعات حياته محدودة)1 كتب بما يحسه من نبض الوجود والمعاناه والحب بأسلوبه السلس الممتع بين اسطره نشتم رائحة أزهار البرتقال ! و الاكاسيا ، الحبق ، الصعتر، وتراب كريت ، اليونان ،الطبيعة ،الصحراء ، إلى أغوار النفس الإنسانية التائهة يحيطه قلق التساؤل عن الرحلة القصيرة التعبة مابين الولادة والموت
“( نسر حقيقي حين يقف عن الطيران ويحاول بدلا منه إن يسير على الأرض ثقيلاً وغريباً عالمه، لديه جناحان وليس لديه عقل أرضي جامد )2
ميتافيزيقية كازانتزاكيس
( إن كان الانشغال بالاهتمامات الميتافيزيقية مرضاً فأنا مريض جداً ) نسبح مع نيكوس مع التيار أو ضد التيار في بحر ميتا فيزيقيته .
( لم أكن اعرف ما الذي سأفعله بحياتي أريد جواباً عن الأسئلة الأبدية وبعد ذلك ما الذي سا صير إليه ما الهدف الأسمى للحياة على الأرض؟ الهدف الذي بإرادتي الحرة أن امنحه الحياة بما يتلائم مع حاجياتي الروحية والفعلية. بصوره اشمل في سيل الأسئلة والإجابات المقابلة الموجهة لأصدقائه وكل من قريب منه الذين في رأيه رجحت عقولهم وهدئت قلوبهم…!
أحدهم يقول: ليس لدينا وقت للتفكير.
آخر يقول ليس لدينا وقت للحب.
ثالث وهو يضحك أنت منشغل إذاً بالهدف من الحياة يا لك من مسكين لمَ تنشغل بذلك؟
محاولاته الدائبة لمعرفة سر الخلق .وحيرة الإجابة، مقابلته لفلاح حين حلق طائر فوقهم تساءل نيكوس عن الطائر واسمه والكنه من خلقه.أجابه الفلاح بسخرية: يالك من مسكين لمَ تنشغل بذلك ؟ إنه لا يؤكل..!
جزء من الإجابة المحيرة ، وجده عند صديق من المدينة قال : ملخص سر الحياة فى أغنية أغنيها..أن تتغوط وتأكل وتشرب وتنام تلك هي حياة الإنسان.
أعمدة نيكوس في الحياة
إن كل عاطفة من عواطفي وكل فكرة من أقل رأى وحتى أكثرها تجريداً تتشكل من المقومات الأربعة الأولية الأرض، البحر،المرأة، السماء المليئة بالنجوم وفى أعماقي حتى أكثر المشكلات ميتافيزيقية تتخذ هيئه فيزيقيه (مادية) حارة لها رائحة البحر والتراب والعرق الإنساني، والكلمة لكي تمسني يجب أن تصبح لحماً حاراً وعندها فقط أفهم عندما استطيع أن أشمها وأراها وألمسها .
التفتح والنظرة الأولى للحياة
كل ما ترسب في عقل طفولتى تجذر فيه بعمق كبير وكنت قد تلقيته بقدسية إلى درجة أنني وأنا فى هذا العمر المتقدم لا اتعب أبداً تذكره وإعادة إحيائه بدقه متناهية أتذكر لقائي الأول بالبحر والنار والمرأة وبروائح العالم
إن أقدم ذكرى في حياتي هي هذه ، كنت لم أزل غير قادر على الوقوف ، وقد حبوت على أربع نحو العتبة خائفاً وتواقاً ومددت رأسي الواهية في هواء الدار الطلق حتى الآن لم أكن قد نظرت عبر زجاج النافذة ولم أكن قد رأيت شيئاً أما الآن فإنني لم أتطلع فقط رأيت العالم للمرة الأولى ، و يا له من منظر مدهش كانت حديقة الدار تبدو بلا حدود وكان هناك طنين من ألاف النحلات غير المرئية وشذى مسكر ،وشمس دافئة بكثافة العسل وكان الهواء يلسع وكأنه مسلح بسيوف وكانت هناك حشرات ملائكية متحفزة بجوانح ملونة ثابتة تتقدم نحوى مباشرة ، زعقت خائفاً وعيناي مليئتان بالدموع ثم تلاشى العالم.
بداية بزوغ الموهبة .
حين كنت طفلاً توحدت بالسماء والحشرات والبحر والريح بكل ما كنت أراه وألمسه في ذلك الحين كان للريح صدر وكان لها كفان وكانت تداعبني ، كانت أحياناً تغضب وتعاندني ولا تسمح لي بالمسير وأذكر أنها كانت تلقيني أرضاً وكانت تنزع الأوراق عن الدالية وتعبث بشعري الذي سرحته أمي بعناية وتنزع الوشاح عن رأس جارنا ( ديمترو) وترفع تنورت زوجته (بينلوب).
الأم الكريتية :ـ لقد امتزجت في ذاكرتي أمي بالاكاسيا بالكنارى وبشكل خالد ولا يقبل الانفصام وأنا لا أستطيع أن أشم رائحة الاكاسيا أوأسمع صوت الكنارى دون أن أحس أمي تنهض من قبرها في أعماقي وتتحد بالأريج وزقزقة الكناري.لم ار أمى تضحك أبداً كانت تبتسم ببساطة وتنظر إلى أي شخص بعينين عميقتين ممتلئتين بالصبر واللطف كانت تروح وتجىء في البيت كشبح لطيف تؤدي لنا حاجاتنا دون ضجة أو جهد وكأنما يداها تمتلكان قوة سحرية كانت أمي قديسة ، كيف استطاعت أن تحس إلى جانبها شهيق الأسد و تنهداته خمسون عاماً ؟ دون أن يتحطم قلبها ، كان لها صبر الأرض واحتمالها وعذوبتها.
الأب الكريتي :ـ لم يكن أبى يتحدث إلا نادراً ولم يكن يضحك ولم يشترك أبداً في شجار، كان ببساطة يصُّر على أسنانه أو يشُّد قبضته في أوقات محددة و إذا صدف أن كان يمسك بلوزة قاسية فركها بين أصابعه
وطحنها..!
كان صدره منقبضاً وقلبه ثقيلاً لماذا ؟ صحته جيدة وأموره تسير على ما يرام وليس لديه ما يشكو منه فيما يتعلق بزوجته وأطفاله يحترمونه ويخاطبونه بالكابتن ( ميخائيل ) ذات يوم تجرأ الكابتن ( إلياس ) أن يسأله (لم لا توجد ابدآ بسمة على شفتيك؟ وأجاب والدي (لم الغراب أسود يا كابتن (إلياس)) كان عليك أن تنظر إلى أبى وليس إلىّ لقد كان غولآ حقيقيآ أما أنا بالنسبة له ، قنديل بحر) !
سألت أمى . كيف كان جديّ؟
- مثل أبيك .وأشد قتامة.!
- وما كانت صنعته؟
- القتال
- وماذا يفعل أيام السلم.
- كان يدخن الشبق (3) ويحدق إلى الجبال.!!
ــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
*كاتب من ليبيا.
( 1 ) رآى زوجته ايليتى فيه
(2 ) رآى نيكوس فى شخصه
(3) الشبق بيبه للتدخين طولها اربعة اقدام .
يتبع
