هل حقاً الصهيونية الحديثة بدأت من سلة مهملات؟!
- رزق فرج رزق *.ليبيا
لم يتعد عمر صهيونية “هيرتزل” المئة والخمسة وعشرون عاماً، مذ أن أسس لها في مؤتمرها الأول المنعقد في مدينة (بازل) السويسرية في 29 من أغسطس 1897م.
بعد قرابة ألفي سنة منذ بدء شتات اليهود يأتي شيطان الصهيونية “ تيودور هيرتزل” ليجمعهم من خلال برنامجه الذي عاد به من تحرره إلى عنصرية اليهود في قوقعة شعب الله المختار.
شخصية “هيرتزل” مثيرة للجدل، عاش قرابة 44 عاماً ما بين عامي (1860 – 1904)، ألف كتابه المشهور “الدولة اليهودية” الذي اعتبره مؤرخون – يهود وغير يهود- بأنه حجر الأساس لبناء دولة إسرائيل وإنجيل الحركة الصهيونية ودستورها الخاص، والدليل الصهيوني لليهود والصهاينة للحصول على دولتهم الأبدية، و من أبرز ما ذكر في كتابه قوله: (الحلم الذي نصبو إليه من الممكن أن يأخذ خمس سنوات، ولكن لكي نكون واقعيين فسيأخذ منا خمسين عاماً من المجهودات)
“هيرتزل” طالب فاشل
عُرف عن “هيرتزل” إنه كان فاشلاً في تلقي وفهم العلوم التطبيقية، أثناء تعليمه الثانوي، بينما كان ميالاً للتاريخ والأدب والشعر، تلقى تعليماً دينياً خالصاً في الكلية الإنجيلية – هي مدرسة مسيحية بروتستانتية-[1] وتغيير مساره هذا ناتج عن تشبيه أحد أساتذته “للوثنيين باليهود والمحمديين” مما تسبب في تركه الدراسة ليلتحق بالمدرسة الفنية.
“هيرتزل” صحافياً
إلى جانب شهرته كاتباً للمسرح والشهرة ذائعة لمسرحياته على خشبة المسرح في فيينا عُرف “هيرتزل” صحفياً وعين مراسلاً في واحدة من كبرى الصحف الأوربية صحيفة (نويه فراي برس)، و وصل إلى العاصمة الفرنسية في اكتوبر 1892 موفداً من الصحيفة، وهناك نضج وعيه السياسي، و تنوعت معارفه و اتسعت علاقاته بين السياسيين والمشاهير.
مؤتمر (بازل)
نجح الطالب الفاشل دراسياً في تدشين الصهيونية – حركة سياسية– والتأسيس لها بجمعهِ يهود العالم في مدينة (بازل) السويسرية وانعقاد مؤتمر الصهيونية الأول، اليهود المجتمعون حول “هيرتزل” وأفكاره المسمومة كان في مقدمتهم قادتهم أصحاب أخطر مقررات التاريخ المستمدة من تعاليم كتب اليهود المقدسة التي حرفها جدودهم والمعروفة بـ (بروتوكولات حُكماء صهيون).
والمؤتمر التأسيسي الأول المنعقد في سويسرا كان قد تقرر عقده في “ميونيخ الألمانية”، لكن تعثر ذلك بسبب المعارضة القوية التي تلقاها ليس من قادة المجتمع المحلي فحسب، وانما من الحاخامات اليهود كذلك.
“الجيتو[2] وتناقض هيرتزل“
هيرتزل ذائع الصيت، المثقف والأديب المتحرر، كشر عن أنيابه و لاحت في الأفق عنصريته المقيتة الرافضة لفكرة اندماج اليهود في مجتمعات غير يهودية، لم يكتف بالتمسك بفكرته بل روج لها من خلال كتاباته المسرحية، ألّف مسرحية عنونها بـ”الجيتو” عام 1884م، وألحقها بمسرحية أخرى معنونة بـ”الجيتو الجديدة” تدور أحداثها حول الأوضاع الاجتماعية للطبقة اليهودية العليا في “فيينا“، وكذا الجماعات اليهودية التي تعيش بمعزل عن المجتمعات التي يعيشون فيها. ومن الملاحظ في تناقض شخصيته اعتقاده في وقت من الأوقات – لم يقتصر- على أن حلّ المسألة اليهودية يجب أن يأتي من خلال اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها، بل تعدها إلى أن يرى الحل في تخلي اليهود عن يهوديتهم، جاء هذا النظام بعد التحرر الذي شهده في الولايات الألمانية، وكان يقصد التخلي عن تلك العقيدة الاجتماعية المتوارثة التي انفرد بها اليهود دون غيرهم؛ ليعيشوا بمعزل عن باقي البشر، وهذا التفرد وهذه العزلة هي “الجيتو“، أحد مظاهر عُنصرية اليهود واحتقارهم للشعوب والأقوام الأخرى، و يبطنون هذا المفهوم بأنه مظهر من مظاهر الظلم والقهر الواقع عليهم من الآخرين.
فليس لأي جماعة أو شعب أي ذنب في كون اليهود يعتبرون أنفسهم “شعب الله المختار”.
“ألفريد درايفوس”[3]
هل حقاً الصهيونية الحديثة بدأت من محتويات سلة مهملات تحوي خمس وثائق سرية عسكرية لغرض بيعها للسفارة الألمانية؟.. هنا تكمن قصة مثيرة للجدل أن عاملة نظافة في السفارة في باريس قامت بتسليم سلة المهملات إلى مدير المكتب الفرنسي لمكافحة التجسس الذي بدوره اكتشف الوثائق المسربة.
أحداث هذه القصة و التحقيق فيها أدانت الضابط اليهودي بالجيش الفرنسي “ألفريد درايفوس“، وُجهت إليه تهمة الخيانة العظمى وحوكم محاكمة سرية..
تشكل أهم سبب في توجه “هيرتزل” نحو فكرة الصهيونية أثناء جلسات محاكمة “درايفوس“، وما حدث من الجمهور العريضة أثناء الجلسات العلنية التي حضرها “هيرتزل” بصفته مراسلاً صحفياً من كراهية وحقد ضد “درايفوس” خاصةً و “اليهود” عامة. تمثلت هذه الكراهية في هتافات يرددها الجمهور ضد اليهود عموماً، ومنها “الموت لليهود، يهود جبناء، يهودي خائن، يهودي قذر..”، ومن أحداث هذه المحاكمة أيقن هيرتزل بأنه مهما انخرط في المجتمعات الغربية ومهما كانت المراتب التي وصل إليها.. سيظل اليهودي القذر في نظر العالم الغربي، ومن هنا انطلق إلى البحث عن حل للمسألة اليهودية التي تمثلت في إقامة دولة خاصة باليهود.
لكن.. هل حقاً لقضية الضابط “درايفوس” و الوثائق السرية المسربة في سلة مهملات أن يتشكل عليها قيام “الحركة الصهيونية” ليتخذها اليهود عجلهم – كعجل موسى السامري-. هذا ما لا يعقل؛ بل يمكننا أن نهتدي إلى أن ما حدث من وقائع تنمر و تحقير وكراهية لليهود هي الدافع الحقيقي لتفعيل ما هو مكمون ومبرمج منذ مئات السنين، وما إبليس العصر الحديث “هيرتزل” و قضية العميل “درايفوس” وغيرها، إلا صولات تتماهى معها الشرارة الأولى لحقد دفين وحلم طال أمده يراود يهود العالم الغربي بأرض الميعاد.!
- كاتب وصحفي ليبي مستقل، ومدرب في مجال الصحافة، و مدير لمكتب الشؤون الإدارية بمفوضية المجتمع المدني طبرق.
[1] البروتستانتية هي أحد مذاهب وأشكال الإيمان في الدين المسيحي. تعود أصول المذهب إلى الحركة الإصلاحية التي قامت في القرن السادس عشر هدفها إصلاح الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا الغربية. وهي اليوم واحدة من الانقسامات الرئيسية في العالم المسيحي جنبًا إلى جنب الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقية
[2] المَعزِل يشير إلى منطقة يعيش فيها، طوعاً أو كرهاً، مجموعة من السكان يعتبرهم أغلبية الناس خلفية لعرقية معينة أو لثقافة معينة أو لدين. أصل الكلمة يعود للإشارة إلى حي اليهود في المدينة، مثل الغيتو في مركز مدينة روما
[3] ألفريد دريفوس ـ هو ضابط مدفعية فرنسي، يهودي الأصل، حوكم وأدين سنة 1894 بتهمة الخيانة وكانت قضيته واحدة من أكثر القضايا السياسية سخونة في التاريخ الفرنسي الحديث