لقاء الحرير
ولدت الفنانة إيبيك بيلجين عام 1956 لتضيف إلى العالم الكثير من الجمال بمواهبها المتعددة؛ فهي ممثلة، وكاتبة، ومخرجة، ومدربة تمثيل، وعازفة موسيقا، وترجمت العديد من الكتب من اللغة الإنجليزية إلى لغتها التركية..
اسم إيبيك في اللغة التركية يعني “الحرير” وهو من الأسماء غير الشائعة، فيشبه في ندرته وفخامته وسلاسته موهبة صاحبته تماما..
بلا أية مبالغة.. وجود إيبيك بيلجين في عمل ما يكفي جدا للتأكيد على جودته، فهي لا تختار دورها فقط بعناية؛ بل تختار العمل الذي يليق بأن تصبح ركنا أصيلا وفاعلا فيه.. عندما تمثل إيبيك دورا ما، فهي تعيشه، تعيشه وكأنها هي الدور الذي تلعبه..
ثمة مشهد لا أنساه من أحد أدوارها.. كانت تجسد فيه دور امرأة ثرية لم تعرف غير الرفاهية منذ الطفولة.. حتى اضطرتها ظروف مريرة إلى ببع بروش ثمين بالنسبة لها؛ ثمين معنويا.. وليس ماديا فقط.. نظرة إيبيك نحو “البروش” وهو في يد الجواهرجي؛ بدت وكأنها تودعه، أو كمن تلقي نظرة أخيرة على حبيب لن تراه مرة أخرى. هذه اللقطة المطولة التي أنهتها إيبيك بشموخ وحرص على كتمان البكاء.. وهي تقول للجواهرجي “نعم أريد بيع البروش” بقيت في ذاكرتي بفضل آداء إيبيك الذي يبدو بسهولة شربة ماء.. رغم صعوبة وتضارب المشاعر بداخل الشخصية.. وهذا المشهد يستحق أن يدرس في حرفية الآداء التمثيلي..
سهولة آداء إيبيك هو ما جعلها مؤهلة دائما للأدوار الصعبة.. وأظن أن حالة الاستمتاع التي تنقلها إيبيك للمشاهد.. تنتقل بشكل لا إرادي لفريق العمل.. فيصبح من السهل على المخرج إدارة مباراة يحرص كل بطل فيها على منافسة نفسه قبل منافسة إيبيك.. تماما كما تفعل هي؛ فهي لا تنافس إلا نفسها..
ومن أدوارها التي تبقى في ذاكرتي أيضا.. دور “أسماء” في مسلسل “عروس إسطنبول” بالتحديد عندما تعرف أسماء بإصابتها بالزهايمر. ببساطة غير شائعة ودون ضجيج أو افتعال تستطيع إيبيك أن تبكي المشاهد.. فهو يشاركها ذاك الفزع والرفض وعدم التصديق..
لا أنسى إيبيك وهي تسير في الطرقات.. تحاول أن تشرب الشوارع، والأماكن، أحباب الطفولة والشباب، تحاول أن تجمعهم في مكان آخر غير ذاكرتها التي خذلتها.. وحاولت سلبها أغلى ما تمتلكه من أماكن ووجوه.. ولأن إيبيك لا تستسلم بسهولة تقرر كتابة كل ما تريد أن تتذكره عن الأشخاص بجانب صورهم.. وكل ما لم تقله لهم وهي بكامل ذاكرتها.. تدرج افتقاد الذاكرة حتى اللحظة الأخيرة..
مشاهد أدتها إيبيك ببراعة وسلاسة تبقى في ذاكرة المشاهد.. وفي ذاكرة الإبداع التمثيلي.. بعد ترجمة هذا العمل إلى عدة لغات وتحقيقه نجاحا عالميا ومحليا.. شاركت إيبيك نجوم العمل في حفل غنائي موسيقي أقيم في “تل أبيب” احتفاء بنجاح العمل.. لا أعرف إن كانت إيبيك بيلجين توقعت أن مشاركتها هذه ستثير غضبا جماهيريا نحوها.. أو ربما لأن إيبيك من أنصار فصل الفن عن السياسة؛ قبلت بالمشاركة أيا كانت النتائج!
ليست عندي عقدة الخواجة لأشبه إيبيك بممثلة عالمية كميريل ستريب مثلا.. وأرى إيبيك شرقية عالمية الآداء. تسير على خطى كل من جاءوا إلى هذا العالم ليتركوا بصمتهم الخاصة.. في الروح والذاكرة..
ايبيك الممثلة التركية شاهدت أعمالها اكثر من مرة لقد تركت بصمتها في عالم التمثيل والاداء كل أعمالها رائعة.