هناء نور تكتب :
القتل كآداة تطهير
دور العمر هو المسلسل الأول للمخرج سعيد الماروق يقدم من خلاله حالة فنية متميزة، ودراما نفسية تبدأ بجمال التتر..
ثلج ملطخ بالدماء ينقل هذا الإحساس بالبرودة والوحشية، رصاصة تسقط على الثلج وكأنها نتيجة له، حزام البنطلون الرجالي الذي يعتبر بطلا في القصة، ولا تخلو حلقة من حلقات المسلسل من استخدام الحزام كوسيلة للتخلص والتطهير، الأقنعة الساخرة التي تضحك من واقعنا، من الخير الذي نفقده فلا يبقى لنا إلا الشر الذي يأكلنا من الداخل، حتى نصبح ضحايا له، إما سجناء للظلم أو للرغبة في الانتقام..
في الحلقة الاولى من المسلسل يحدث اللقاء الاول بين سيرين عبد النور “شمس مطر” وعادل كرم “فارس” شمس سيدة أعمال وفارس ممثل نجح بشكل كبير في دور “أمير” القوي الذي يحارب الفساد تخرج شمس لفارس من حمام رجالي في أحد الأماكن العامة ببيروت، يفاجئ بالمسدس الذي تصوبه شمس على رأسه من الخلف، يشعر بالذعر فتقول شمس:
أمير اللي أعرفه مش جبان..
وتبدأ القصة..
فكرة اللقاء في الحمام فكرة ذكية من المؤلف ناصر فقيه، فالحمام غير أنه مكان المخلفات البشرية، هو أيضا مكان التخلص منها، ويبدو من خلال الحلقات أن بعض البشر كالمخلفات الضارة التي يجب تطهير الحياة منها..
الجمال الآسر لشمس هو أول ما يجذب “فارس” لها ثم يكتشف شيئا فشيئا أن ثمة شيء أكبر يجمعهما..
كانت شمس تتلقى العلاج النفسي في مصحة خارج البلاد قبل لقائها بفارس بعدة سنوات، لكنها ترى أنها لم تكن مريضة نفسية، وأن من أوقعها في هذا الشر يجب أن ينال عقابه..
قد يكون هذا الدور دور العمر لسيرين عبد النور، فقد حافظت على الشعرة الفاصلة بين العقل والجنون في آداء أداره المخرج سعيد الماروق بعناية، حتى يصبح المشاهد حائرا بين ذكائها وأعراض الجنون التي تظهر في انفعالاتها واضطرابها في بعض الأوقات فارس لم يقع في غرام شمس فقط، بل أصبح أسيرا لمشروعها في التخلص من المفسدين، فهو لا يكره شيئا مثل الظلم، كما أنها وعدته بأن تضع بين يديه قاتل والده..
فازداد حماسه لتنفيذ الفكرة.. مقتل والد فارس في طفولته ترك في نفسه ألما لا ينتهي، أضيف إليه زواج أمه من رجل عنيف طويل اليد واللسان، كان يضرب فارس بحزام البنطلون حتى ينزف جسده..
ذات مرة لم يتحمل فارس عنف ذاك الرجل تجاه والدته فراح يضربه بمكواة الملابس حتى انتهى.. كانت هذه جريمة القتل الأولى لفارس..
ظل الحزام عقدة نفسية عند فارس حتى أصبح يستخدمه في كل جرائمه للتخلص من رؤوس الفساد..
قائمة المفسدين في يد شمس مطر، وفي كل حلقة من حلقات المسلسل تخبر فارس بمجرم ما وترتب معه طريقة التخلص..
تذكرني الجرائم والعنف المستخدم فيها بجانب الموسيقا الكلاسيكية المصاحبة لطريقة التنفيذ في بعض الجرائم بأفلام تارانتينو..
ولا أعرف إن كان سعيد الماروق وناصر فقيه تأثرا بأفلام تارانتينو أم لا، لكن مسلسل دور العمر يظل مستقلا وجديرا بالمشاهدة في حال تأثر فريق العمل بسينما تارانتينو أو عدم تأثرهم بها..
مشهد موت والدة شمس مطر بقطع شرايين اليد وامتلاء البانيو بالماء المخلوط بالدماء ونزول شمس ببدلتها البيضاء في البانيو محاولة إنقاذ أمها يعد من أروع مشاهد المسلسل، ومشاهد سيرين عبد النور بوجه عام..
كما أن مشهد البانيو هذا ظهر في حلقة سابقة لكن المرأة الملقاة في مياهه الممزوجة بالدماء كانت شمس مطر التي حاولت الانتحار بقطع شرايين يدها في فترة سجنها في المصحة العقيلة، وربما تقول هذه الرسالة إن موت شمس سيكون بنفس أسلوب انتحار أمها ومحاولتها هي السابقة في الانتحار، أو ربما يستخدم البانيو لمشاهد انتحار أخرى في المواسم القادمة من المسلسل..
القاتل أمير حير الشرطة، والضابط المسؤول عن ملف قضية القتل المتكرر بالطريقة ذاتها اضطر لتقديم استقالته من عمله بعد فشله في القبص على الجاني.
في نفس اليوم الذي يستقيل فيه الضابط تتأكد شكوكه في فارس وشمس عن طريق الصدفة، حين يعترفان له بأنهما المخطط والمنفذ لجرائم القتل يهنئهما كمواطن عادي يحلم بتطهير بلاده من المفسدين..
هل ينضم الضابط بعد تقاعده إلى شمس وفارس في المواسم القادمة من المسلسل؟ سؤال يطرح نفسه، كما أن نهاية الموسم الأول مشوقة وتطرح العديد من التساؤلات حول من سيصبح القاتل وآداة التطهير..
هناء نور | أرشيف هناء نور | القتل كأداة تطهير |