هناء نور تكتب :
ترانيم وآيات من الجمال
اكتشفت محمد عفيفي منذ فترة قريبة جدا، وهذا لا يدل على شيء غير أن عمر الإبداع أطول من عمر صاحبه، وأن الكتب باقية، وقد تعرف الكتب طريقها وموعد وصولها المناسب إلى قارئها أيضا، وكنت قد بدأت بقراءة أشهر أعمال محمد عفيفي، والتي يرى الكثيرون أنها أهم أعماله، وهي رواية “التفاحة والجمجمة”
وبصراحة أحببت الرواية، لكنها لم تترك لي رصيدا كبيرا من الدهشة، لكنني أيضا قضيت معها وقتا لا أستطيع أن أقول إنه لم يكن وقتا طيبا، وربما كان هذا هو الدافع لقراءة أعمال أخرى لكاتب أهداني من خلال روايته السابق ذكرها وقتا مجردا من الملل.
فبدأت بحماس في قراءة عمله الإبداعي الأخير “ترانيم في ظل تمارا” وقد وجدت من الصفحات الأولى جمالا أكبر مما كنت أتوقعه، أو أنتظره في العادة من أي عمل إبداعي..
إذ إن العمل بدا وكأن الفنان التشكيلي الروسي الفرنسي “مارك شاجال” هو من نفذ هذه اللوحة البديعة على الأوراق..
فقد كان “شاجال” منشغلا جدا بفكرة التآلف بين الكائنات، وإمكانية عيشها في سلام وطمأنينة، وتعاون فيما بينها لصنع حياة ما بين الميلاد والموت، ويكمن الفرق في كون “شاجال” كان يعبر عن رؤيته من خلال الألوان، والصور المعبرة، أما محمد عفيفي فقد استطاع أن يعبر وببراعة من خلال الكلمة، عن الكون بمن وما فيه، وحالة الانسجام التي ليس من الصعب أن تحدث، بين مخلوقات الله في كونه، بالإضافة لنقل أحاسيس الكائنات وتصويرها على الأوراق من خلال تأمل عميق، يساهم في وصول نفس حالة الصفاء التي عاشها محمد عفيفي أثناء تأملاته إلى نفس القارئ، ولا أظن أن قارئا سيقرأ هذا الكتاب إلا ويترك في نفسه قدرا كبيرا من الرغبة في التأمل، وإعادة النظر في الكائنات والأشياء،
فمثلا يضع محمد عفيفي تصورا؛ لا يخلو من تساؤلات حول العصافير؛ فقد اعتدنا أن نظن أن العصافير تسبح بتغريداتها لله، أو تعزف في صباح كل يوم للكون، أو تتبادل فيما بينها كلمات الحب، فجاء محمد عفيفي ليغير النظرة السائدة للعصافير فيقول بروح لا تخلو من الدعابة “وقف العصفوران على الغصن يتبادلان الشتائم” وبالإضافة إلى الضحكة التي يصنعها محمد عفيفي بهذه العبارة، يضع أيضا رؤية مغايرة تكسر النظرة السائدة، والظن التقليدي، ويقدم ذلك بأسلوب السهل الممتنع، فتبدو لوحة كلماته جميلة بقدر بساطتها، وسهلة بقدر صعوبة التأمل، وبالإضافة إلى العصافير التي تمثل دورا أساسيا في لوحة تأملاته، وموسيقا كونية محببة تضاعف من جمال الرواية التي أحب أن أقول عنها لوحة..
توجد في اللوحة “تمارا” الشجرة التي أسماها السارد المتأمل تمارا لكونها شجرة تمر حنة، والتي يتحدث إليها كثيرا ويظن أنها تسمعه وتتبادل معه الأحاديث، وأيضا تلك الفراشة البيضاء التي يسميها “فروشة” ويميل في ظنه بأنها نفس الفراشة التي تزور حديقته يوميا، ويقول محمد عفيفي مدافعا عن هذا الظن “لا أحد يستطيع أن يصادر حريتي في الافتراض الذي يريحني”.
هناء نور | ترانيم | محمد عفيفي | التفاحة والجمجمة |