هناء نور تكتب :
“علبة حليب”
قصة قصيرة
يؤلمني جدا حين يعتصر ثديي في كفه .. أجرب الضغط عليه بيدي يؤلمني أيضا.. بالنسبة لي مسألة اقترابي من ثديي ليست مهمة أبدا.. زوجي هو من يفضل تلك العادة السيئة ..
أخبرته عدة مرات أن هذا الأمر يؤذيني وتشاجرنا كثيرا بسبب تلك المسألة.. الذي أبدى دهشته منها والخجل الذي أضعه فيه حين أشعره أن منطقة ما من جسدي ممنوع عليه الاقتراب منها.
يقول: إن كل النساء يسعدهن هذا الشيء .. لم أفهم معنى “كل” من أين له بمعرفة أحاسيس النساء، كل النساء! .. أنا لا أعرف أبدا.. لست ممن يمتلكون اليقين.. غير أنني شبه متيقنة من عشقي لزوجي ولا أريد أن تنقطع حياتي معه ..
لكني لم أعد قادرة على تحمل المزيد من العبث.. ثديي صغير جدا لكن اقتحامه يفجر بركانا من الوجع.. لا أفهم أبدا سر اللذة التي يشعر بها إنسان حين يؤلم إنسانا آخر! لم لا يكتفي بأشياء أخرى تؤدي إلى النشوة ويحذف تلك الفقرة التي تفسد ما يليها!
لي صديقات ثلاث .. إحداهن أرملة وحيدة .. والثانية مريضة لوكيميا .. والثالثة بلا عمل لا أعرف من الأكثر تعاسة بيننا قالت الأرملة كم كان جميلا هذا الشيء.. الثدي بلا محبة يذبل.. وتذبل معه أشياء أكثر جمالا قالت مريضة اللوكيميا تحتاجين إلى الأمومة .. مشكلتك تتلخص في هذا الأمر .. الأمومة أعظم مسكن للألم، ثم أضافت على سبيل التأكيد: أي ألم. – هل أعبث بمصير كائن حي كي يكف زوجي عن عادة طفولية!
قالت الثالثة هذه شريرة لا تسمعيها تريد لك استبدال الذي لن يترك ثديك وشأنه بالذي يتشبث به دقائق لا أكثر قالت مريضة اللوكيميا بإمكانها اللجوء إلى الرضاعة الصناعية قالت التي بلا عمل أنا أرى أن “تسلفيني” زوجك .. أنا أحتاج إلى هذا الدلع ضحكن بصوت مرتفع وشاركتهن الضحك على سبيل المجاملة .. ثم تساءلت بعد لحظات صمت ألم تؤلمكن أثداؤكن أبد؟!
تبادلن نظرات متسائلة.. ثم خرجت كلمة: لا. بدهشة غير مسبوقة، مع شيء من الشفقة ثم أخذن يتحدثن عن قصتي ويطلقن الضحكات الرقيعة كنت أسمعهن بنصف أذن إذا كانت روحي هناك.. في معمل التحاليل.. اليوم موعد استلام نتيجة فحوصات الثدي.. التي دفعني الألم لإجرائها مع تكتم كامل على الأمر.. أنا خائفة جدا من استئصال الثدي الذي هو محل النزاع.. ولا أعرف حتى الآن كيف سأواجه مصيري بمفردي!
ابتسمت الموظفة في المعمل أثناء إعطائي التقرير وقالت الطبيب في انتظارك. قابلني الطبيب بالابتسامة نفسها.. يبدو أن هذه الابتسامة هنا تستخدم كسؤال المقدم على الإعدام: ماذا تشتهي قبل أن تموت.. مت بالفعل ألف مرة قبل أن تصدر منه كلمة: الحمد لله أنت بخير. تنهدت بعمق ثم أغمضت عيني وأنا أردد في نفسي: الحمد لله.. ثم قمت قائلة: أشكرك واتجهت على الفور نحو باب الخروج بلا اهتمام بأخذ التقرير أو نداءات الطبيب التي جاءت أثناء مغادرتي المكان.
سرت في الشارع أنظر هنا وهناك .. كنت أشعر بجوع شديد.. دخلت أول مطعم صادفني وطلبت وجبة أحبها واستعجلت الطلب بعدما وضع الطعام أمامي وجدت صعوبة في ابتلاعه .. تساءلت متأففة في نفسي أين ذهبت الشهية التي طارت بي إلى هنا! وضعت الحساب وتركت المكان .. عدت للسير في الشارع بشرود شبه كامل وبلا هدف.. لا أعرف كم ساعة استغرقتها في هذا السير.. وما الذي دفع قدمي نحو هذه المحطة؟ أثار انتباهي لوجودي فيها صوت هذا القطار؛ وقفت أتأمله وضجيج الأفكار في رأسي.