الرئيسية / ثقافة / هناء نو ر تكتب : صاحبة الجيوب المثقلة

هناء نو ر تكتب : صاحبة الجيوب المثقلة

الكاتبة هناء نور تكتب : صاحبة الجيوب المثقلة

هناء نور تكتب :

صاحبة الجيوب المثقلة

هناء نور الكاتبة والناقدة المصرية

 عرفت فرجينيا وولف الكثير والكثير من الشخصيات التي أثرت في تكوينها بالسلب والإيجاب، فكان والدها يشجعها منذ كانت طفلة، على الإكثار من القراءة، وكان يرى فيها روح كاتبة؛ كاتبة ستحلق في عالم الأدب في يوم ما..

قال ماركيز كثيرا إن فرجينيا وولف أكثر من أثرت به، وهذا يدل أيضا على أن التأثر لا يعني النقل أو التشابه، فكتابة ماركيز مختلفة تماما عن أدب فرجينيا وولف، لقد تأثر بالعظمة والإتقان فأبدع أدبا خلاقا تأثرت به إيزابيل الليندي كما تأثر به كثيرون في العالم..

كانت سيلفيا بلاث تغار كثيرا من أسلوب فرجينيا وولف في الكتابة، غيرة إيجابية محببة، كانت ترى أن فرجينيا التهمت الشمس؛ هكذا صورتها وكأنها تضيء على الأوراق، ثم تحولت سيلفيا بلاث في وقت آخر للتساؤل: أي قارئ من الممكن أن تثيره امرأة عجوز تفكر في أساليب متعددة للانتحار! وأنا حين قرأت هذا التعليق لسيلفيا تساءلت أيضا: هل لو كان الإنسان يعرف نهايته، كان سيسرف في الأحكام المجانية على الآخرين بهذا القدر؟!.. فبعد سنوات من كتابة سيلفيا تلك الكلمات عن وولف انتحرت بطريقة أكثر بشاعة تاركة وراءها طفلين.. لكني أميل كثيرا لالتماس الأعذار لنفسي وللآخرين..

شبه أحد النقاد سيلفيا بلاث ببومة سوداء في ليل حالك الظلام.. وفرجينيا لم تقصر في سب ولعن هذا الناقد الذي يفتقد أي موهبة تؤهله لتقييم الكتابة الأدبية..

حصدت الممثلة الأسترالية العالمية نيكول كيدمان جائزة أوسكار أفضل ممثلة عن تجسيدها شخصية فرجينيا وولف في فيلم “الساعات”

تعرضت فرجينيا في طفولتها للتحرش من أخويها غير الشقيقين بها.. تركت هذه المسألة شرخا عميقا في روحها، وتسببت إلى حد كبير في عدم حبها للجنس، أو إقبالها عليه.. رغم ذلك تزوجت من ليونارد وولف الذي أميل إلى تسميته بحقيقتها الوحيدة..

كان ليونارد مؤلفا، وشاعرا، وناشرا، وداعما لفرجينيا معنويا على الدوام؛ فلم يكن ناشرها فقط، بل كان مؤمنا بها ككاتبة متفردة، وقادرة على صنع لونها الخاص في الأدب، وبالتالي القدرة على التأثير في الحركة الأدبية…

غلاف الأمواج لـ : فرجينيا وولف

من يقرأ لفرجينا وولف “الأمواج” مثلا يشعر بهذه القدرة على الخلق، والإحساس، والدقة المفرطة في التقاط المشاعر..

وقد يبدو الأمر مدهشا حين نرى أن ليونارد وولف، لم تصبه الغيرة من شهرة فرجينيا ونجاحها الأدبي الكبير، فيلجأ لمحاولة تحطيمها معنويا؛ خاصة وأن أعداء فرجينيا في الحركة الأدبية، والحياة عموما لم يكونوا بالعدد القليل، وكان أخطر أعداء فرجينيا القلق، والمرض العقلي الذي أصيبت به أكثر من مرة..

كان ليونارد على دراية تامة بحال زوجته، والتشوهات التي نالت من روحها في عمر مبكر، فقد ذكرت فرجينيا في إحدى أحاديثها عنه؛ أنه كان مقدرا لعدم شهيتها للجنس، فلا تتذكر أنه شكل في يوم ما ضغطا معنويا بالإلحاح مثلا في طلب الأمر الذي كان يدرك تماما رغبتها الدفينة في الهروب منه قدر الإمكان، كما أنه لم يفكر في معايرتها بما يعتبره الكثيرون نقصا أنثويا!

فرجينيا من الذين لم يموتوا مرة واحدة؛ فقد ماتت خوفا من فقدان زوجها اليهودي في الحرب النازية الشرسة، خاصة وأنها كانت قد فقدت الكثيرين من أصدقائها في تلك الحرب الملعونة..

عانت أيضا فرجينيا في المرحلة الأخيرة من حياتها، من فشل أكثر من عمل أدبي لها، لكن السبب الأكبر للمعاناة كان الهلع من فكرة فقدانها توأمها الروحي، ليونارد، برصاصة نازية…

كما أصبحت مشوشة جدا، وخافت بشدة أن يعاودها المرض العقلي، وتكمل ما تبقى من حياتها في مصحة تعالج عقلها الفذ الذي أنتج تحفها الأدبية الأنيقة..

قررت فرجينيا الانتحار غرقا، فألقت بنفسها في نهر “أوز” لكنها لم تتحمل القدرة على الغرق فباءت محاولتها الأولى بالفشل..

في المرة الثانية ملأت جيوب معطفها بحجارة ثقيلة حتى لا يصبح للموت وسيلة للفرار..

ورغم محبة فرجينيا للكثيرين؛ إلا أنها لم تترك سوى رسالة واحدة لزوجها، وتوأمها الروحي ليونارد وولف.. تلك الرسالة التي لن تموت، والتي حاولت من خلالها ورغم تشوش ذهنها إيصال هذا الاعتذار والامتنان لمن كان نبيلا معها دائما، فجاءت الرسالة على هذا النحو:

“عزيزي، أنا على يقين بأنني سأجن، ولا أظن أننا سنقدر على الخوض في تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى، كما ولا أظن بأنني سأتعافى هذه المرة، لقد بدأت أسمع أصواتا وفقدت قدرتي على التركيز لذا سأفعل ما أراه مناسبا.

لقد أشعرتني بسعادة عظيمة ولا أظن أن أحدا قد شعر بسعادة غامرة كما شعرنا نحن الاثنين معا.. إلى أن حل بي هذا المرض الفظيع. 

لست قادرة على المقاومة بعد الآن وأعلم أنني أفسد حياتك وبدوني ستحظى بحياة أفضل. أنا متأكدة من ذلك.

أترى؟ لا أستطيع حتى أن أكتب هذه الرسالة بشكل جيد، لا أستطيع أن أقرأ. جل ما أريد قوله هو أنني أدين لك بسعادتي. لقد كنت جيدا لي وصبورا علي. والجميع يعلم ذلك. لو كان بإمكان أحد ما أن ينقذني فسيكون ذلك أنت. فقدت كل شيء عدا يقيني بأنك شخص جيد. لا أستطيع المضي في تخريب حياتك ولا أظن أن أحدا شعر بالسعادة كما شعرنا بها.”

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

منعطفات الجريمة المنظمة الجامحة

*الايرلندي /2019/ لسكورسيزي: منعطفات الجريمة المنظمة الجامحة ضمن النسيج السياسي الأمريكي بعيدا عن الشعور بالذنب: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *