في عيد ميلادي الحادي والخمسين مازلت أومن مع محمود درويش بأن “على هذه الأرض ما يستحق الحياة
الأديب والكاتب مصطفى لغتيري/ المغرب
من السهولة بمكان أن أقلد كل الذين مضوا، ومروا خفافا من هنا، أحذو حذوهم، وأدين بدينهم، فأقول أن لا شيء يستحق الحياة ،ثم أتابع السير غير حافل بما وقع أو سيقع، أقولها وأحمل صخرتي وأمضي، لا ألوي على شيء سوى التقدم حثيثا نحو نهاية، مهما ابتعدت فهي قادمة بلا ريب، فكلما ابتعدنا عن طفولتنا وانطلاقها العفوي، دنونا مجبرين نحو ما نحن ماضون إليه.
نكاية في كل تلك الهواجس وما يتناسل عنها، أقول ملء القلب والأوردة إن في حياتنا- رغم الخسارات المتعددة- ما يستحق الحياة.
يكفيني أن أحمل هذا الجسد معافى كل صباح، وأقصد مقهاي المفضل لأرتشف هناك قهوة بنكهة الصحو والأمل .
تكفيني دفقة نسيم عليل أستنشقها في طريقي على مهل، لتحيي في نفسي عشقا تليدا للقصيد، فتربكني الكلمات بحثا عن معنى مخاتل، لا يمنح نفسه عفو الخاطر، وإنما يأتي بعد مجاهدة وكفاح.
تكفيني رواية أشارك كاتبها جموح الخيال.. بشغف لذيذ وانتشاء لايضاهى أقرأ سطورها، وكأنني أعايش الشخوص لحظة بلحظة حتى آخر الحبر.
تكفيني ابتسامة مشرقة، تطل علي من وراء حجاب، فتضيء سمائي بنورها الملائكي المتجدد، واعدا إياي بلقاء قريب.
تكفيني ضحكة لطيفة تغزو كياني فجأة ودون سابق إنذار فتحيل حياتي إلى بهجة دائمة.
تكفيني لمسة حانية من زهرة الحياة /حياتي، فيظل شذاها عالقا بالجسد والقلب والذاكرة، خلسة أتلمظه بكثير من الاستمتاع المستحق.
تكفيني رفقة مشاكسة، تراودني ذات أصيل جامح عن فرحتي، فتزيدني كل يوم تمسكا بتلابيب الحياة، حتى أرتشف نسغها قطرة قطرة إلى آخر رمق.
يكفيني رذاذ منعش، يفاجئني ذات مطر خجول، في يوم لا يحفظ العهد ولا الود، فبعد أن وعدنا بصحو متواصل، هاهو فجأة وبتواطؤ مكشوف مع رغبة دفينة ينقض وعده، فتنثال حباته البلورية الشفيفة، تسقي روحي الظمأى حد الارتواء.
تكفيني كلمة طيبة وصادقة.. شاردة تأتي من هنا أوهناك دون ترتيب مسبق، فتفرش في القلب سجادا أحمر للامتنان.
تكفيني الحياة بما لها وما عليها.. بصبر وأناة ألتقط صدفاتها على شاطئ الأمل، فمهما علت أمواج بحره وثارت، فلن أمل من متعة الالتقاط، لقد عاهدت نفسي أن أؤمن دوما- مهما كانت الإخفاقات- بأن على هذه الأرض/ أرضنا حقا ما يستحق الحياة.