البعيد القريب
في مدينة من أضواء, كنتُ أتمتع بحياة مثالية. أُناسها وأبنيتها من ماء ونار. مدينة قريبة وبعيدة, كبيرة وصغيرة في أن معاً. لا يمكن لأي بشري أن يعثر علينا هناك. مع ذلك, فإن الخروج منها أسهل بكثير.
كان يُحكم على السجناء بإرسالهم إلى خلف جدرانها.
كنتُ أعمل منسقاً للقلوب في هذه المدينة حيث نعمل بكد لتنظيم شؤون العالم البشري. نحنُ في الحقيقة عالمان مدموجان ويفصلنا جدار يجعلنا غير مرئيين. بل أيضاً غير مسموعين أو محسوسين. كنتُ ملزماً على ربط قلوب البشر منذ ولادتهم بأشخاص أخرين تقوم وزارة الحب باختيارهم. وفقاً لهذا الرباط الخفي, كانوا يلتقوا بما يسموه في عالم البشر ” النصيب ” .
في يوم ما, وأنا أعمل متجولاً بين العالمين, رأيتُ فتاة جميلة المحاسن. كانت دموعها تغطي وجنتيها. راودني الفضول ودنوت منها وسألتها:
” لماذا تبكين ؟ “
أجابت محدثةً نفسها:
” لقد افترقنا أنا و حبيبي, ما طعم الحياة بعد فقدان من تحب! “
أحسستُ بالحزن الشديد ولم أقدر على تركها. أدركتُ وقتها أن المنسق الأخر قام بتزوير الرباط وتبديلهُ مع شخص اخر لأسباب أجهلها.
استجمعتُ قواي والتفت حولي مراراً لأتأكد من عدم وجود جواسيس.
لم أر أحداً.
بدأت بربط خيط جديد حول قلبها وغادرت باحثاً عن ذاك الشاب. سرعان ما وجدتهُ وربطتُ طرف الخيط بالطرف المقصوص حول قلبهُ. غادرتُ مسرعاً بعدها خشيةً من أن يراني أحد ما.
بعد ثانيتين ضوئيتين, أي أسبوعين كما يقال في عالم البشر, كانا قد تزوجا.
لكن سرعان ما تلاشى فرحي حيثُ القوا القبض علي. واحداً من المارة رأى ما فعلته وبلغ وزارة الحب.
قيدوني بأسلاك من نار واخذوني بعدها إلى زنزانة بوابة العالم الأخر.
بعد حوالي ستة وثلاثون ثانية ضوئية, وأنا في زنزانتي, سمعتُ أصوات غريبة غير مألوفة. ما إن التفتُ حتى بدأت الجدران تضيق والزنزانة تحولت من ظلام حالك إلى بياض ناصع مؤلم.
أدركتُ حينها أن دوري قد حان. بعد لحظات نُقلت إلى مكان أخر بومضة من شعاع لم أكن قادر على تمييز لونهُ.
هذا المكان كان مكان مليء بسائل مقزز وكان يضيق بي.
كنتُ اسمع وقتها صرخات حادة من أحداً يتألم. لم أكن قادراً على الحراك حيث اكتشفت أني قد فقدتُ اجنحتي التي لا عدد لها.
رأيتُ مخرجاً وسرتُ باتجاهه حيث الصرخات ازدادت. كنت أتوقف عند سماع هذه الأصوات لأن الخوف طوقني. بعد ذلك, شيء ما دفعني إلى الخارج بقوة عندما سمعتُ صوتاً يقول:
” مبارك طفلك يا سيدتي “
عندها ادركتُ أني قد وصلتُ الى منفاي الأخير.
عندما نظرتُ حولي, رأيتُ وجوهاً مألوفة.
لحسن حظي, المرأة ,التي كان يتوجب علي أن أدعوها أمي كما يقال في عالم البشر, كانت نفسها الفتاة الحزينة التي ساهمتُ بإصلاح حياتها.
وها قد سردتُ قصتي لكم كما سردتها لعائلتي.
لم يصدقني أحد!