رواية (امرأة تخشى الحب) للأديب مصطفى لغتيري : مكالمة هاتفية تساهم في تغيير حياة البطلة
1 تصدير
صدرت للأديب المغربي مصطفى لغتيري رواية تحت عنوان ( امرأة تخشى الحب ) ، الطبعة الأولى سنة 2013 ، عدد الصفحات 96 ، الاخراج الفني للأستاذ مناف نفاع ، و تضم 10 فصول ( مقاطع كبرى ) …
يطغى على غلاف الرواية اللون الأسود ، أما عنوان الرواية ( امرأة تخشى الحب ) ، فهو مكتوب باللون البرتقالي بينما اسم المؤلف مصطفى لغتيري مكتوب باللون الأبيض …
تبتدئ الرواية بطرح تساؤل عريض : ( هل يمكن لمكالمة بسيطة أن تغير حياة المرء ) ؟ الصفحة 5 ، و تنتهي الرواية كذلك بنفس العبارة و التساؤل … الصفحة 96 …
2 في العنوان
(امرأة تخشى الحب ) ، عنوان رواية مثير يغري بالقراءة ، يضم 3 كلمات دالة :
(امرأة ) : و طبيعة الأنثى أنها تمتلك عاطفة جياشة نحو الرجل – الحبيب ، تمنحه عواطفها و أحاسيسها ، تمنحه الحب ، و هو أسمى عاطفة ، تعتبر الرجل جزء لا يتجزأ من تكوينها و تفكيرها و كينونتها … المرأة حاضرة في كل المجتمعات و الأساطير بقوة ، فهي منبع الحب و الحنان و العطاء …
( تخشى ) : فعل الخشية و الخوف و الرهبة و الاحتياط من الطرف الثاني بسبب ممارسات زوج عنيفة سنعود اليها لاحقا … و أي امرأة تخشى المستقبل خصوصا اذا كان الحاضر ممتلئا بالعقبات و النكسات و الانكسارات …
( الحب ) : و هو أسمى عاطفة انسانية ، شحنة قوية نحو العطاء و السعادة و التفاؤل ، و عبر الحب أبدع كتاب و فنانون كبار ) نزار قباني ، بابلو نيرودا … ) ، و اعتمدت الأساطير اليونانية و الصينية و اليابانية و غيرها على تيمة الحب ،
حياة عمالقة و شعراء و مبدعين رأسا على عقب بسبب الحب ( كيلوباطرا ، عنترة ، بلقيس ، روميو جولييت …. ) .
في رواية ( امرأة تخشى الحب ) ، تتحول البطلة ماريا الى امرأة مكتملة العاطفة ، ناضجة ، و بسبب فشلها في زواجها ، أصبحت تتجنب كل حب قادم …
تتمحور رواية ( امرأة تخشى الحب ) حول البطلة ماريا الانسانة الرقيقة والتي عاشت تجربة زواج فاشلة ، فاضطرت الى الطلاق لتعيش حياة الوحدة و تربية اخوتها بعيدا عن زوج خادع و ماكر و كاذب و استغلال بشع لزوجته : ماريا امرأة قوية حنونة لكنها فقدت ثقتها في الرجال ،،، مرية الحكواتية تعرف حياتها الرتيبة تغييرا جذريا بعد المكالمة الهاتفية المصيرية : (هل يمكن لمكالمة بسيطة أن تغير حياة المرء ؟) الصفحة 5 و 96 ، حيث بعد هذه المكالمة تخرج من عالمها الصامت السكوني و الرتيب ، لتدخل تجربة العشق و البوح و الابداع و استرجاع الذكريات و اتخاذ قرارات جريئة و حاسمة …
رواية (امرأة تخشى الحب) تؤرخ لميلاد البطلة المنسية و المهمشة والتي ضحت من أجل الجميع ، لهذا تصمم على البدء من جديد و الدخول الى عالم الكتابة لتأريخ حياتها .
3 البطلة ماريا
ماريا الانسانة اهتزت نفسيتها كثيرا بعد الطلاق و نظرتها السلبية تجاه الرجال ، اذ تقول : (بعد الطلاق احتفظت بمساحة معقولة بيني و بين الرجال . لم أعد أثق في ربك أي علاقة بهم … فقد خلف ذلك شرخا عميقا ، أصبح الطلاق شبحا مرعبا …) الصفحة43 ، و كذلك : (الوقوع في الحب أصبح بالنسبة الي كارثة ، أتجنب وقوعها بابعاد نفسي عن ظروف حدوثها) الصفحة 43 …
و رغم وعيها بنعث امرأة مطلقة القدحي في مجتمع متخلف : ( أنا امرأة مطلقة ) الصفحة 44 ، و مع هذا فماريا تبقى امرأة سوية ليست لها ميولات جنسية شاذة لكنها محرومة و مجروحة عاطفيا ، تقول بعد لقاءها العاصف مع الأستاذة المسرحية رقية : ( لقد أثرت في نفسي لمسة الأستاذة رقية ، التي ربتت على نهدي . فزعزعت ثقتي بنفسي ، حتى توهمت أنني قد أكون ذات ميولات سحاقية ، لكن بعد هذه الأمسية الغريبة تأكدت أن الأمر مجرد حالة ذهنية اخترقتني في حالة ضعف . ربما لأنني أعيش فراغا عاطفيا مقيتا ، فكانت عواطفي عرضة للتلاعب ) الصفحة 95 و 96 …
4 حضور الذكريات
عبر عملية فلاش باك ذكية ، تسترجع البطلة ماريا عالم ذكرياتها ، و ذلك بفتح ألبوم صورها الذي يؤرخ لحياتها من البداية الى الآن ، من الولادة حتى اللحظة الحالية ، الشيء الذي يجعلها تشعر بالحنين و القوة و النوستالجيا ، فيتم استحضار طفولة ماريا و والديها و الخالة و الجدة و احدى القريبات ، لكن عندما تصل لصور و ذكريات زواجها التعيس ، فانها تقوم بسرعة بتمرير تلك الصور لمحو كل تلك الآلام و الذكريات الكئيبة ( الصفحات 53 و 54 و 55 و 56 و 57 و 58 و 59 ) …
5 الأوقات الجميلة
تقول البطلة ماريا بلسان المخرج الأستاذ شفيق : ( هكذا الأوقات الجميلة . تنفلت من بين أيدينا بسرعة ) الصفحة 70 …
فعلا ، فالأوقات الجميلة تحفر في ذاكرتنا حفريات جميلة ، تسكن فيها ، تدفعنا الى الخروج من حالات اليأس و الدخول في حالات استرجاع البسمة و الفرحة معا …
6 أبطال فاعلون و متفاعلون
اذا كانت رواية ( امرأة تخشى الحب ) ، تتمحور حول حياة البطلة ماريا و تلك التغيرات التي عرفتها و عاشتها بعد المكالمة الهاتفية المصيرية ، فهناك كذلك بطلان رئيسيان بصما حياتها ايجابا و هما :
الأستاذة الكاتبة المسرحية رقية :
هي كاتبة ، مثقفة تنهل من فكر اليسار و التحرر ، تدافع عن المرأة و هي كذلك ضد كل الممارسات الحاطة بشأنها ، و : ( لها موقف سلبي من الزواج … لقد تزوجت الكتابة … بيتها عبارة عن مكتبة ، أينما وليت وجهك ، تجد كتبا و مجلات و جرائد … ) الصفحة 76 …
و الأستاذة رقية : ( تقف هناك مهندمة بلمسة تشي بانتماءها الى عالم الثقافة ) الصفحة 16 …
نفورها من الرجال دفعها الى الارتماء في أحضان النساء ( شبقية ، سحاقية ) ، و ذلك لتعيش سعادتها و نشوتها …تحكي ماريا عن تحرش الأستاذة رقية بها قائلة : ( تقدمت نحوي لتودعني ، فاذا بها تضغط على صدري بقوة ، ثم ما لبثت يدها أن تسللت نحو نهدي ، و ربتت عليه بلطف ) الصفحة 81 … و تتابع ماريا قائلة : ( تلك اللمسة التي انفلتت من يد الأستاذة رقية لتحط على نهدي . كانت لمسة غريبة … كانت لمسة قوية ، حركت شيئا ما في داخلي ، شعورا خامدا أججته … ) الصفحة 84 … و بخبث توجه الأستاذة رقية خطابها لماريا قائلة : ( متى سأراك يا صغيرتي ؟ متى سأقبل نهديك الجميلين . ) الصفحة 90 …
تمتاز الأستاذة رقية بتحررها و دفاعها المستميت عن المرأة و كرامتها و حريتها ، فآخر ما كتبت عبارة عن مسرحية كل شخصياتها نساء : ( انها احتفاء مقصود بالمرأة ) الصفحة 92 ، و لهذا تحتج قائلة : ( العقلية الذكورية التي تهيمن على مجتمعنا تحتاج الى صدمة ، استفزار أو أي طريقة توقظها من سباتها ) الصفحة 93 …
المخرج الأستاذ شفيق :هو زير نساء بامتياز ، يتصيد الفرص و يلقي شباكه على النساء ، لهذا تحذر الأستاذة رقية البطلة ماريا من هذا المخرج اللعوب قائلة : ( عليك أن تحترسي منه ) الصفحة 77 … و تتابع وصفهة بمكر قائلة ظظك ( انه صياد بامتياز … زير نساء . يتنقل من امرأة الى أخرى دون الشعور بالذنب . لم تمر على فضيحته الأخيرة سوى أقل من شهر ، و ها هو يرمي شباكه عليك ) الصفحة 78 … و هو كذلك : ( شخص خطير ، حقيقة هو مبدع حقيقي . يحب مهنته و يتفانى في أدائها . لكنه خطر متحرك ) الصفحة 79 …
7 ماريا و المسرح التجريبي
استطاع المبدع الأستاذ مصطفى لغتيري بذكاء و بعبقرية المبدعين المتفاعلين و المؤثرين في الساحة الثقافية المغربية أن يوظف المسرح التجريبي في روايته الجميلة ( امرأة تخشى الحب ) و ذلك عندما استعت الأستاذة رقية بطلتنا ماريا لحضور عرض مسرحي تجريبي ، فتتحول الدردشة بين المخرج شفيق و ماريا الى تسليط الأضواء على المسرح التجريبي و أبجدياته و ميكانيزماته ، يقول المخرج شفيق : ( ربما تعرفين أن المسرحمر بمراحل عدة من طفولته الأولى حتى يومنا هذا ، عبر هذه المرحلة الطويلة اختلفت أشكاله التعبيرية ، لكن جوهره ظل كما هو … لذا يبدو لي أن الوقت قد حان ليتخذ له مسارا مختلفا ، و أعتقد أن المسرح التجريبي كفيل بأن ينجز ذلك ) الصفحة 65 … و المطلوب كذلك من المسرح التجريبي هو الرقي بذائقة الناس و تربية ذوق المشاهد ( الصفحة 66 ) … و كذلك : ( المسرح التجريبي يراهن على البلبة ، يحاول أن يحاكي الحياة في عقمها … ) الصفحة 67 … و أهمية المسرح التجريبي تكمن في أنه : ( يستفيد من كل التجارب المسرحية السابقة ، بما فيها مسرح العبث . انه يسعى الى خلق نوع من البلوفينية داخل المسرحية الوحيدة . يراهن على اللامعقول ، و غياب الحدث بمعناه التقليدي … شخصياته ممزقة ، و بدون ملامح محددة . انه لا يطرح موضوعا معينا ، بل حالات مسرحية قد لا يكون هناك رابط منطقي بينها ، لكنها تفجر في نفسية المتلقي و ذهنه و وجدانه كثيرا من الأحاسيس و الأفكار المتناقضة ) الصفحة 67 … و كذلك : ( يسعى لخلق نوع من الاحتفالية داخل المسرح ، انه يعكس الحياة بتناقضاتها العميقة ) الصفحة 68 …
8 ملاحظات منهجية
يتميز الأديب المغربي مصطفى لغتيري بتمكنه من الأدوات المعرفية و النقدية ، حيث استطاع في رواية ( امرأة تخشى الحب ) توظيف كل حمولاته المسرحية و الفنية و خبرته في مجال الكتابة الجادة و الهادفة ، فلغته جميلة ، سلسة ، فصيحة و مفهومة ، تدخل ضمن السهل الممتنع ، و يوصل بذكاء أفكاره و يمررها بشكل جميل و جذاب و راقي …
في رأيي الشخصي المتواضع ، رواية ( امرأة تخشى الحب ) ، هي مسرحية في رواية أو رواية في مسرحية ، لقد مزج عدة أجناس أدبية في روايته الجميلة هذه ( المسرح ، التلفزة ، الأدب ، الالتزام ، الحكاية … ) ، و قام باستغلال المسرح لتمرير عدة رسائل ..
باختصار التجربة التي عاشتها البطلة ماريا مباشرة بعد المكالمة الهاتفية و تطور علاقتها بكل من الأستاذة رقية و الأستاذ شفيق و كل تلك الأحداث التي عاشتها معهما ، جعلها في النهاية تشعر : ( و كأن رغبة قوية في التعبير عن نفسي تخترقني بقوة لم أعهدها من قبل … الصفحة 96 … و لهذا تقول ماريا : ( قصدت المكتبة . أخذت حزمة من الأوراق البيضاء ، و جلست في المكتب أفكر في الطريقة المثلى ، و التي تمكنني من التعبير عن نفسي ) الصفحة 96 … لهذا تقرر ماريا عن قناعة أن تكتب على الأقل ما عاشته عبر كتابة قصة قد تسميها ( امرأة تخشى الحب ) الصفحة 96 ، و بدأت بالتالي الكتابة بجملة استفهامية : ( هل يمكن لمكالمة بسيطة أن تغير حياة المرء ؟ ) الصفحة 96.