«صلاح الدين»
إرهابي يتلو البيان الفضائي في مملكة «بني جهلان»!
نحن الأمة الوحيدة على وجه الأرض، التي تغتال أبطالها وتمجد أنذالها، تدوس فوق دماء شهدائها وتلعق الجيف تحت نعال أعدائها، في زمان منكوس يرفع الأقدام ويخفض الرؤوس، نحن الأمة الوحيدة التي تتابع نحر فرسانها – ببث مباشر – على أعواد المشانق، لأنها اعتادت على الهزيمة دون أن تضطر لخوض المعارك، فإن كنت أيها المشاهد لم تزل تنظر إلى (الزول فتحسبه هول) فإنني أطمئنك أن الحرب عرض مفبرك ينتهي دائما بموت المشاهد، الذي ينسى أن الأبطال لا يصعدون أبدا إلى خشبة المسرح!
ما دام يوسف زيدان يطخطخ وليبرمان يمخمخ، والحق كل الحق على عمرو أديب، الذي نجح بخداع الوعي الوطني بأحابيله الفضائية قبل أن يكشفه فشله باستمالة ضمير التاريخ لما استضاف مدعيا ثقافيا، يروج لكسر التابوهات وتجاوز المحرمات، والتطاول على المقدسات وحرية المعتقدات، فهل ستطالبه بتعويض عن استهبال المشاهد؟ أم بإغلاق ناديه الفضائي بتاتو اللعنة: الشمع الأحمر؟ أم أنك ستحذر من الأحمق إذا رجمته، إذ يغفل عن حكمة الحذر من العاقل إن أحرجته!
عبدة النظام يحطمون الأصنام!
هناك حملات فضائية ممنهجة لتشويه التاريخ، بإمكانها أن تغسل عباءة القذافي وتلمع كعبه العالي، لتدخله إلى دور الأزياء الفضائية، ثم تستعير من عضو الكنيسيت عن الاتحاد الوطني «ميخائيل بن آري» أيامه السوداء، فتحول البطولة إلى إرهاب، في الوقت ذاته، الذي تحتفظ فيه بعزت الدوري ليس كمقاوم ما دام ضد إيران، إنما لأنه من ريحة الحبايب، وتعيد إنتاج الضيف الإعلامي ككائن فكوي على طريقة التمساح، الذي يفكر ويحس ويعيش بفكيه وحدهما، بينما يتخذ الساسة من المذيع ركوبة فضائية، فالأمر لا يتعلق فقط باستضافة عمرو أديب لزيدان، إنما بتصريحات الممثل السوري غسان مسعود لموقع «المصري اليوم لايت»، حين ارتأى الصعود على موجة تشويه صلاح الدين فإذا به يتخلخل فوق مطب لم يتم تزفيته بعد، حين اعتبر أن صلاح الدين أكذوبة، لا تمت للحقائق التاريخية بصلة، وأنه صناعة سينمائية برع فيها يوسف شاهين حين سخرها الظرف السياسي والمخيلة الفنية لإشباع النوازع السلطوية أو الغرائز الشعبية النهمة لصورة البطل السينمائي، مع انحياز مسعود لابن كاره على حساب ابن وطنه، إذ اعتبر شاهين مشاكسا لا يلام على استجابته لدواعي المرحلة، وربما لهذا يعطي لنفسه الحق باستغلال شخصية صلاح الدين لمصلحته الشخصية، حيث دخل بها إلى هوليوود عبر بوابة بيت المقدس!
غسان مسعود، فاق يوسف زيدان جرما، لأنه أدى دورا سينمائيا في هوليوود لشخصية تاريخية لا يؤمن بوجودها وليس مقتنعا بدورها التاريخي، بل ويحقره، فإن كنا نسلم أن الكذب في العمل الفني هو أعلى معايير الصدق، فلن نقبل أن يخرج الكذب من سياقه الفني إلى السياق التاريخي ما دام مسعود يناقض نفسه حين قال إن صلاح الدين كان مريضا وعاجزا لا يقوى على الوقوف ولم يخض في حياته معركة سوى الرقة، في ذات الوقت، الذي اعترف فيه بموته بعد معاناة طويلة من سرطان الرئة الذي أصابه بسبب غبار المعارك التي خاضها! فإن كنت توافق مسعود على موقفه من المؤامرة واختطاف أحلام الشعوب بالحرية والثورة، فكيف تختلف معه بل تخالفه وهو يختطف من تاريخ أمته أعظم أبطالها وأشرف فرسانها وأعز رجالها؟! ولن أخوض في فشخرات تحطيم الأصنام، ما دام غسان من عبدة النظام!
«بنو جهلان» في حفلة «ختان» فضائي
إذا قارنت بين لقاء «الجزيرة مباشر» مع الدكتور ماهر أبو منشار المتخصص بالتاريخ الإسلامي، وحلقة محمد ناصر على «مكملين»، وبين تغريدات «الصيصان» على «تويتر» من بني جهلان، تدرك أن الأمر لا يتعلق أبدا بالبحث عن الحقيقة، ولا حرية التأمل لإنتاج وعي معرفي متحرر من أعباء الموروث، بقدر ما هو حملة شعواء على البطولة، فما أن شبع زيدان حتى رقص المهابيل على حس الطبلة، فبعد أن سلمه عمرو أديب درعا فضائية ليحفظ بها جسده الزجاجي على طريقة تشارلز السادس، لم يتبق أمامه سوى النوم عاريا على طريقة الملياردير هوارد هيوز، الذي أصيب بوسواس قهري وفوبيا هستيرية من الجراثيم، بحيث لا يرى في كل ما حوله ومن حوله سواها حتى اضطر لخلع جسده كي يتخلص من وسوساته المرضية قبل أن يموت معزولا منبوذا بلا عورات ولا ملابس داخلية، وقد هيأت مرآته إليه أنه آرنست همنغواي!
دكتور ماهر أنكر على «الجزيرة مباشر» إحراق المكتبة الفاطمية، لأن الأيوبي حارب الفكر الضلالي للفاطميين بالفكر، حين غربل المكتبة فباع منها ما باع واحتفظ بما يحترم فكر الأمة ولم يبق للحرق سوى ما لا يتجاوز أصابع اليدين، أما عن قافلة الحجاج التي كانت أخته ضمنها فقد أرسل جيشا صغيرا لحمايتها من غارة لم تتم، وأما تحرير بيت المقدس فقد استغرق التخطيط له أكثر من اثني عشر عاما، بينما تغلب جمال سلطان، رئيس تحرير جريدة «المصريين» على ذريعة سليمان جودة في البرنامج حين رفض اللغة الفاحشة الشتامة، التي لا تستعين بأوصاف علمية في سبيل التعبير عن حقها بحرية البحث والباحث، دون مبالاتها بالاصطدام بالمجتمع، ودفاعها عن الفاطميين، الذين استعانوا بالفرنجة لتدمير مصر والأمة، وهو ليس بغريب عمن ينافقون للغرب، فيتخلون عن شرقيتهم ويحاربون أجدادهم تملقا وتزلفا، وهؤلاء لم يتعلموا من أعدائهم الذين صنعوا من روبن هود بطلا تاريخيا وصلاح الدين بطلا متسامحا مع المسيحيين في الثقافة السينمائية والحضارية للغرب – كما ورد في قناة «مكميلن»!
حكاية البرغوت والبقة
الانتقام هو العدالة الوحيدة في قانون الغاب، وهؤلاء ينتقمون من شعورهم بالنقص أمام تاريخهم وأمام أعدائهم، فكيف تحترمهم الأمم والشعوب، وهم بين تصفيق ليبرمان وطبطبة بني جهلان، مثل بشاكير الحمّام، من إيد لأيد، فحين يستنسخ غسان زيدان يغدو مثل قطرميز مصر لا رقبة ولا خصر، إن نظرت إليهم نفرت منهم، فسيماء عارهم على وجوههم، ولن يحتاج أبطال الأمة للأقزام كي يعترفوا بهم، لأنه لا يُقدّر الرجال سوى الرجال، ومن يتابع الإنجاز البطولي لحماس بإيقاع أكبر شبكة عملاء لإسرائيل في غزة، ويرى كيف يذل الخونة بعد فوات الأوان، إذ يتخلى عنهم من خانوا وطنهم لأجله، لأنه لن يأتمن على أمنه من لا أمان لهم، سيدرك أن الذين يتخلون عن أبطالهم لينالوا شرف تكسير الأصنام ليسوا سوى آكلي آلهتهم، وأنهم إذ يتهمون الناصر صلاح الدين بأنه إخواني، أو شبيح أو ماركسي لن تتجاوز مدنيتهم ودخولهم في ملة الحضارة الغربية ما قاله البرغوت للبقة: «يِضْرَب الشرشوح إذا تَرَقّى»، ولن أكتفي !
ـــــــــــــــــــــــــــ
نُشر في القدس 18/مايو 2017