قراءة في لوحة سليمى السرايري بعنوان :
ما لم يقله الحلم
بقلم الشاعرة والفنانة سليمى السرايري. تونس
ربما لوحتي هذه قد تحتاج قراءة سطحية وبسيطة فقط، وربما تحتاج أيضا إلى التأمّل والتحليل وسبر أغوارها وقد اخترت لها عنوانا: “ما لم يقله الحلم” خصيصا اهداء بمناسبة اصدار الشاعرة ريم القمري لديوانها الثالث “ما لم يقله الحلم.. “.
راوحتُ فيها بين التشخيص والتجريد الغنائي، ذات تركيبة انفجارية يلعب فيها اللون دورا رئيسيّا، حيت تتّسق الألوان الحارة والباردة، عبر الفُرَيْقَاتْ.
إلى جانب الخطوط الانسيابية التي تعمل على فتح الفضاء وامتداده…
ففي صورة الغلاف انطباعا أوليا يبعث في نفس المتلقّي الرغبة على الاكتشاف و التعمق
أكثر في الأثر.
كما انه لا يغيب على أحد أن للألوان تأثيرا بصريا على العينين …فنحن نرى الأشياء بالعينين ونقرأ بهما أيضا .
فهناك ألوان تسمى بالألوان الصادمة مثل الأحمر و الأزرق و الأصفر. و قد اخترت هذه الألوان في لوحتي لما فيها من قدرة على لفت الانتباه و جذب المشاهد و جعله ينغمس في تفاصيل اللوحة و تأويليها .
فالأحمر، وهنا أعود إلى الحديث عن رؤيتي للألوان، وهو لون يعبّر عن الحياة والاندفاع وعن الحب كذلك…
أما الأزرق فهو الجانب الهادئ من الإنسان حيث يجد فسحة ليتجول في الخيال الواسع.
فكل ماهو أزرق فسيح و منفتح مثل “السماء”, “البحر”, “الحلم” أيضا نراه أزرقا.
و اللون الأصفر الذهبي يرمز إلى الضياء أو الى الشمس . و من يدقق في اللوحة سيرى صورة امرأة تشكلت بالأصفر و يحيط بها اللون الأحمر . و كأنّ بالمرأة نور يضيء على الحياة أو هي الضوء الذي ننفذ منه إلى نهاية النفق أو هي تلك الأحلام التي لم نفصح عنها…
لذلك، في هذه اللوحة جعلتُ الأحلام تلوح من بين الألوان المتوهجة والتي دوما أوظفها في أعمالي مثل الأحمر المتماوج فويرقات الأزرق بينما طيف أنثى لا يبدو منها أي ملامح يحتل.المساحة الكبيرة، وهي تطلّ من تلك الخطوط، خطوط الحياة والحيرة والجمال والتحدّي لتخرج على هذا العالم بحذر ربما أو بتشويق للظهور…
جسد الأنثى أحببت أن يكون راغبا في الحياة والجمال
هو ربما جسدا عالقا كما قالت الشاعرة ريم القمري في ما يلي :
خذي صورتي
صوتي
ما يفيض من حبّ
في روحي
خذي جسدي العالق
بين فكي الغياب
واكتبي أشعارا
تهزم الوهم
إن خيال الرسام يلعب دورًا مهمًا في تعميق قيمة اللوحة وتأثيرها وانعكاسها على الآخرين وعليه هو بالذات، من عدة جوانب منها :
النفسية- العاطفية- الفنية –وغيرها….
فالعامل النفسي في اللوحة يلعب دورا مهمّا وقد رسمت الشخصية الغامضة التي جعلتها متخفية قليلا، في لحظة تجلٍّ مع الذات، ولحظة اختلاء بالنفس، ولحظة السكون المريح في لحظات الوقت الذي يمرّ بي…
في اعتقادي أنّ الفنان عنصرا مهمّا في المجتمع فهو يمتلك أسلوب التعبير عن ذاته وما يختلج في وجدانه من مشاعر يترجمها لوحات تشكيلية فنيّة يبرز فيها أهمّ الحقائق بطريقة مرئية يعشقها كلّ من يتوق للسفر عبر الفنون الجميلة …..
لأنّ التعبير بحد ذاته عن المشهد المرئي يرجع إلى الحالة النفسيّة التي رسم فيها الفنان عمله والذي من خلاله يعبّر عن الأشياء المحيطة به أو التي تخالج مكنوناته فيغوص في اللون والخطوط والإبحار في تلك المادة التي غالبا ما تكون مطيعة ليّنة بين أنامله سوى كانت لونا أو نحتا أو تصويرا فتوغرافيا فعالم الفنون شاسع ومساحة الفنان كبيرة يجوبها كيفما يريد ويشتهي…
فاشتهيت هنا رسم بعض جنوني ليسقط من لساني مخضبا بتلك الألوان
وكما تقول الشاعرة ريم القمري في ديوانها :
يسقط الكلام من فمي
يتكسّر فوق موج الشوق
كيف أنجو منّي / منك
ومن كلّ هذا الجنون.
دائما المعنى يتّخذ مسحة شخصيّة من حياتنا وبالتالي ينعكس ذلك السكون أو ذلك القلق اليومي في روحي وتأتي الفكرة أو تناديني الريشة لأخط ما تعكسه تلك الروح وما يختلج في ذاتي من مشاعر مختلفة وأحيانا متضاربة بمثل هذه الرسمة التي لم تكن مسطّرة بل جاءت أيقونة عاشقة للون والرعشة الشهية حد الامتلاء وهي عبارة الشاعرة ريم القمري حين قالت :
لك الرعشة،
لي الشهقة،
لنا الامتلاء…
–
أنَّ تفسير العمل التشكيلي هوتفسير للعامل النفسي كما قلت في البداية أو للعامل الإبداعي وما يختزن في الذات المبدعة من جماليات وتقنيات وأفكار لذلك أجدني وأنا أنهي آخر خطوط لوحتي “ما لم يلقه الحلم”، متضايقة قليلا، نعم متضايقة وهو قلق مشروع للفنان أو للكاتب الذي دائما يقول انه بإمكانه أن يقدّم الأجمل.
لذلك، أرى أنه كثيرا ما ارتبطت علاقة الفن التشكيلي بالشاعرية و مدى علاقته باللغة.
فكما الشعر يثير لدينا جملة من التساؤلات كذلك اللوحة الفنية تستدعينا إلى مجموعة من الأسئلة التي تحرك ما بدواخلنا…
فبمجرد محاولة بسيطة لفهم لوحة فنية نؤسس لمعنى لم يوجد بعد بل هو وليد اللحظة البصرية. فماهو بصري يلج إلى ذواتنا بسرعة فائقة و يتعاطى مع المدخلات الأخرى المرتبطة بالماضي والحاضر و حتى المستقبل و بذلك نعتبر….
هكذا تقول لوحتي ” ما لم يقله الحلم:
و هكذا تقول الشاعرة ريم قمري في ديوانها الثالث ” ما لم يقله الحلم”
أو ما لم يقله شاعر أخر.