قراءة في قصيدة
* أتنسى*
للشاعرة سليمى السرايري
————————————————
كنت ولا زلت دائما أتساءل عن العلاقة الحميمية بين العشق والماء ، العلاقة القديمة المتجددة ، لماذا يستدعي الشعراء الماء في شعرهم ؟ هل العشق مائي في ماهيته ؟ هل لذلك يجد ماء الدمع مبرر حضوره في كثير من القصائد الشعرية ؟ ان الشاعر الجاهلي كان يعي قيمة الماء لذلك أوقف صاحبيه وافتتح معلقته بدمع يبللها ويسري في هيكلها ليمنحها الحياة : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل*.
في اللوحة الأولى لسؤال لنسيان
ارتباطا بموروثها الشعري الجاهلي تستدعي الشاعرة سليمى السرايري بدورها الدمع وتفتتح قصيدتها بدمعتين:
أتنسى؟
حين سرّبْنا من شقوق الأفق
وردة ودمعتين؟
إن ارتباط الدمع بالذكرى ارتباط قوي ،يقول امرؤ القيس
أمن ذكر نبهانية، حل أهلها = بجزع الملا ، عيناك تبتدران.
فانطلاق الشاعرة من تساؤل *أتنسى؟ * وبكاء هو بمثابة مقدمة لاستحضار ذكريات مخزونة في اللاّوعي، سرعان ما تنجلي وتتأكد من خلال تأطير فعل النسيان لأفعال ماضوية :
* سربنا- عبرنا- كان – أعددنا – قدنا
دالة على التيمة المحورية للنص.
ان جمالية الصورة المائية العشقية المؤثثة بالورد والدمع واليمام لا تكتمل الا بحضور البحر صديق الشعراء والعشاق ، يشكون إليه لواعج الهوى ويجيبهم بهدير موجه حاملا بدوره آهات عشقه وآلامه .
كان البحر يضمنا
عاشقا لغزالة الماء
في اللوحة الثانية لسؤال النسيان
تتناسل صور حالمة يؤثثها حضور الشعر في تماه تام مع البحر عبر اللون الأزرق الذي يوحد الشعر بالبحر ، وتستمر رومانسية اللحظة بالرقص والاقداح ونخب الإله ريتسوس والعطر والياسمين والاغاني والأراجيح.
في اللوحة اثالثة لسؤال النسيان
هل تدرك حبيبي ان البكاء فسحة جسد ؟؟
هنا عودة ثانية من الدمعتين الى البكاء ، من الجزء الى الكل ، فالبكاء فسحة جسد وفلسفة وجود .
وأنّ القلوب ، تكبر بنبضها الإرادي ؟؟
تشيّدُ قصورا من الهمس
تُخرج اندثارنا الواهي من أسطورة المجاز.
وهنا فلسفة تتسلل من الدمع وتكتب رؤية عميقة لماهية العشق
في اللوحة الرابعة لسؤال النسيان
الاستيقاظ من أحلام الذاكرة بمثابة سقوط من السماء ، وتعبير عن اختلال التوازن وتجسيد لحالة التمزق النفسي والعاطفي التي يعيشها الجسد في تأرجحه بين الماضي والحاضر تجلى من خلال
(تمزق الشرنقة) والتنهيدة تم الموت.
موت الذكرى في موقف تراجيدي فلسفي :
الذكرى التي تترك عارية مصيرها الحتمي هو الموت.
هل كان الدمع مقدمة للموت ؟ كما كان الدمع في قصائد الشعراء الجاهليين مقدمة للتعبير عن موقف مأساوي مرادف للموت هو رحيل الأحبة وبكاء الاطلال.
في هذا النص الراقي الذي لا ينسى ، المبني اعتمادا على مخزون الذاكرة المأساوي استطاعت الشاعرة بتوظيفها استفهاما استنكاريا * أتنسى؟ استحضار الأخر بخطاب يستفز الذاكرة المشتركة ويستحضر لحظات العشق الجميلة، لكن للأسف يؤطرها الماضي ويقض مضجعها وجع النهاية.
لكن لاتموت، تظل حية في الذاكرة وفي الشعر والبحر كنوع من المقاومة والاستمرارية.
–
أتنسى ؟
أتنسى؟
حين سرّبْنا من شقوق الأفق
وردة ودمعتين؟
عبرنا جوقة اليمام
ملأنا سلال الشوق…
حينها،
كان البحر يضمّنا
عاشقا لغزالة الماء
واللؤلؤة تلامس أهداب القُبل..
بينما ينشر الفراغ رداءه المخمليّ
على صواري النهار…..
–
أتنسى ذلك المساء
ونحن ننعث قصائدنا
نرقص على فوهة العشق
نهدهد الأماسي
نشرب من أقداح الغبطة
نخب “ريتسوس”
ندعو لأبوابٍ مغلقة بمزيد الياسمين
فيأتي العطر… من جبهته الدمشقية..
–
أتنسى حين طفق الغمام إلى شرفتنا
أعددنا خصلات الوقت أرجوحة
رتّبنا نتف السحاب باقة
أتينا بالبحر والصدَفات إلى الحديقة
….. سمونا عاليا
كم قُدنا النّدى إلى بيتنا
هكذا كنّا نرتق نبوءة العرّافين بأحلامنا
نحتفي بمكائد الغيب
………..بخطوط كفّ
……………..وخفقات أشرعة…
–
البحر يخلع مياهه…
نضمُّ أغاني صيادين يترشّفون القلق ..
يتوسّدون أراجيح الوصول……
فصرنا تعويذة المراكب المهاجرة
موجة تذوب سماء ظلّلت شفاهنا…
–
هل تدرك حبيبي، أنّ البكاء
…………فسحة جسد؟؟
وأنّ القلوب ، تكبر بنبضها الإرادي ؟؟
تشيّدُ قصورا من الهمس
تُخرج اندثارنا الواهي من أسطورة المجاز
–
لا أدري من أيّ حلم أعودُ؟
من أيّ سماء أنزلُ ؟
المكان الآن لا يسعُ حرفي
…………………… شرنقتي تمزّقت
–
هنا، تنهيدةٌ ترتقي سلالم النسيان..
على أفواهِ حروف غارقة في الضحك..
……………..بصمتي
………………..بسذاجتي ..
…………………..بشحوبي ..
لذكرى تركناها في العراء،
…………………………. فماتتْ