من حيفا وغسان إلى حيفا وحسن.. “علاقة جدلية”
يسارع كميل[1]، وقلبه ينبض، وملامح وجهه تكاد تتقاسم فرحة العودة، يطلبني، ليتقاسم معي كعادته فرحته، بل ليقاسمني سر عودتنا إلى حيفا، يصرخ مبتهجًا: “إنه حسن[2]، ابن حيفا، في وادي النسناس وهذه أم إلياس[3]”.
أقاسم كميل، بكل جوارحي، ما تيسر لنا من حيفا متواطئين على سر، الـ (password) الخاص به، اسم “حسن”، يعيد رسم خارطة الوطن افتراضيًا رغم الاحتلال، رغم التعقيدات الجغرافية والحدود السياسية، يخلق مشروع وطن، يقول كميل.
أقول، لا ..
هي حيفا.. مدينةٌ تلبس ثوب الزفاف الدائم.
هي أجمل الفتيات، تطلب المحبين.
هي أجمل النساء، توقع بحبال جمالها كافة الرجال.
هي عروسٌ، وحسن أبيها يأخذ بيدها، يقدمها لأجمل فارس، يستحقها.
يذهب كميل أبعد..
ليؤكد أن حسن يشيد عاصمة القلب، حيفا، ويأخذنا كمواطنين إلى وطننا الجديد، كميل يفتخر بمملكته يقدمها لنا، كي نرى الفردوسَ الذي حاز عليه، بانغراسه في حيفا، حسن، الظاهر عمر الجديد، يشيّد مملكة ووطن فلسطيني، ويغرس فينا من جديد حب الوطن، وحب حيفا، ووادي النسناس، ينسج بقية حكاية غسان ليكمل الرواية، بأن العودة لا تكون إلاّ لحيفا، كي نصلي صلاة العائدين فوق الكرمل، وقبلتنا الوحيدة البحر الذي صلينا صلاته في موعدٍ سابق.
مساءً يهاتفنا، ليكمل لكميل حياكة المشهد، فحيفا وإن رحلت، ستبقى كقطرة ماءٍ في نقار قبرة محمود درويش، أو سنبقى نحن قبرةً تموت عطشًا، سيبقى طعم الجفاف في عروقنا بلا حيفا، يغزل كميل ما بين أمّين ألف معنى، ودربٍ كلها لا تؤدي إلى حيفا.
ما بين أم إلياس، المنغرسة كشجرة برتقالٍ حزينة، مرّ عليها غسان كنفاني ولم يزل يوصينا بإرواء ظمأ تربتها، ولا يزال في حيفا رجال كحسن تحت شمسها، يذكروننا بالوصايا المقدسة.. وما بين أم عسكر[4] التي روّت بتضحياتها وعطاءاتها، ودموعها ما بين شهيدين فادي وجبريل، أمجد ويامن، والعشرات من أبنائها الأسرى شجرة غسان التي نبتت فينا.
حسن صانع وطننا الافتراضي، إن حيفا تشكل نقطة التقاء القلب والروح، هي وطنٌ صنعه حسن في عالمنا الافتراضي جمع فيه ما بين الأمهات والأبناء، أم إلياس، أم عسكر، والأبناء كميل، منذر، ثائر، نادر، حكمت والآخرين، وما بين وصايا الشهداء والطريق إليها، ما بين الأزمنة والأمكنة، حتمًا سيعود هذا الوطن حين يحدث اللقاء حقًا مع خارطة الواقع، وحتمًا سيكون حسن هو من سيخرج المشهد الأخير، معلنًا انتصار حيفا، الوطن باللقاء قريبًا هناك تحت راية الحريةٰ.
فإلى أن تهوي إلى حيفا من جبل الكرمل، أو نعلو إليها مع سراب الفجر، ستبقى حيفا، وحسن، سنديانًا كحقيقة راسخة في عمق رواية الآخر الذي قهره حسن برواية “حيفا الحديدية” عبر العالم الافتراضي، لنحتل المشهد، ويعيدنا من الهامش الذي أراده لنا الآخرون، كي يحتل صدر روايتهم شاء من شاء وأبى من أبى.
فإلى أن تكتمل عناصر رواية العودة، رواية حيفا، كتابتها، ومخرجها، وصاحبها حسن أجمل تحية.
أبقَ يا حسن، أبقَ سنديانة مغروسة في قلب الآخرين، وسيبللُ مطر العودة الهادر من أعلى الكرمل نحو وادي النسناس جذور وطننا حيفا.. وبقية مدننا، وقرانا، فعمر الظاهر الجديد وحسن حتمًا سيجمع وزراء وأمراء وقادة وساسة وجيشًا من الوطن من كافة بقاع فلسطين ليطلق حملته تجاه صناعة وتوحيد الوطن، وسيلحق بركب حسن، مئات وآلاف من الشابات والشبان الذين سيقدمون لنا أجمل ما في ربوع وطننا، من أعالي الجليل حتى أقاصي النقب، من رجال ونساء وأمهات وأباء، يطلقونه عبر الفضاء الإلكتروني ليقدموه لنا نحن الأسرى، واللاجئين والمهجرين عن وطنهم، ليؤكدوا أن الوطن منزرع فينا، برغم البُعد، وأن العودة لها ألف درب وسبيل، وأن مشروع حيفا، ووطن حسن سينتشر حتى تستمر روايتنا.
حسن حارس دارنا المقدسة، وسيجتمع حوله آلاف من الحارسات والحراس، وستبقى أم إلياس، فلا يبقى في الوادي إلا حجارته.
يطلق حسن حملته، مشروع وطنٍ افتراضيٍّ، وأدعو كل شابات وشبان وطننا أن يلتحقوا بركب حسن في إطلاق أجمل ما في وطننا، لتغدو العلاقة ما بين حيفا وحسن، وفلسطين وأبنائها علاقة جدلية، كما هي حيفا وغسان علاقة جدليةٰ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1] الأسير والكاتب كميل أبو حنيش، رفيق درب الكاتب في سجن ريمون.
[2] المحامي والكاتب حسن عبّادي صاحب مبادرة “لكل أسير كتاب”.
[3] أم إلياس: صاحبة دكان لبيع الفواكه في وادي النسناس، وكان كميل أبو حنيش قد كتب عنها مقالا. ويشير الكاتب في مقاله هذا إلى مقال كميل عنها.
[4] أم عسكر: امرأة من مدينة نابلس، كان بيتها ملاذا للمطاردين أيام انتفاضة الأقصى، وسبق لكميل أن تحدّث عنها بمقال له.