هناء نور
تكتب :
جمهورية علاء الأسواني
لدكتور مذكور ثابت كتاب بعنوان “صناعة التشويق في حرفية الكتابة للفيلم” أي أن التشويق لا يتوقف عند كونه صناعة بل هو درجات قد تصل إلى حد الاحتراف..
شاهدت مسلسلات من عدة دول، أكثر من برع في التشويق الأتراك.. قد يقدم الأتراك مسلسلا عن قصة مستهلكة، أو موضوعا لا يستحق المشاهدة، لكن ما يجعلك تواصل مشاهدته هو احترافهم التشويق، فكل حلقة تنتهي عند نقطة تجعلك تنتظر الحلقة التالية!
علاء الأسواني يتقن فن التشويق، وربما يؤخذ عليه عدم تطويره لأسلوبه في الكتابة، فكل رواياته كتبت بنفس الطريقة، كان محمود درويش يقول “لو كررت نفسي سأنتحر
” أنا لا أريد أن ينتحر الأسواني.. أنا فقط أفكر، وأعتقد أنه فكر كثيرا، لكن أظن أن النجاح المضمون لخلطته الخاصة في التشويق مسألة جعلته لا يميل للمغامرة..
قرأت كل أعمال علاء الأسواني تقريبا.. وما يجعلني أكمل القراءة دائما؛ نقاط التشويق التي يترك القارئ عندها في نهاية كل مشهد من الرواية..
مشروع علاء الأسواني يعتمد على البحث والتنقيب في الفساد بشتى صوره، في فترات زمنية مختلفة مرت بها مصر..
عمارة يعقوبيان يكاد القارئ المصري يعرف الشخصيات الحقيقية التي كتب عنها الأسواني وجمعها في عمارة يعقوبيان..
جمال الغيطاني حكى أنه كان يتحدث في يوم ما مع الأسواني عن رغبته في الكتابة عن وسط البلد، فأخبره الأسواني بأنه يكتب رواية تدور أحداثها في هذا المحيط، وجمال الغيطاني كتب عن الرواية وأشاد بها بعد قرائتها..
فوجئ علاء الأسواني باتصال عادل إمام.. ربما لم يصدق ساعتها؛ فهو لم يكن مشهورا ساعة صدور عمارة يعقوبيان، هذه القصة حكاها عادل إمام بنفسه في إحدى البرامج قال: وحيد حامد كلمني عن الرواية ولما قريتها قلت أنا عايز أكلم الكاتب.. اتصلت بيه: ألو أنا عادل إمام.. أنا قريت روايتك وعجبتني جدا وحبيت أشكرك عليها..
كان عادل إمام أحد أبطال الفيلم، بعد أن حول وحيد حامد الرواية إلى سيناريو فيلم بنفس الاسم “عمارة يعقوبيان”
حصدت الرواية نجاحا جماهيريا وساهم علاء الأسواني دون قصد في رجوع الجمهور لقراءة الرواية المصرية.. أصبح نجما بين يوم وليلة.. وأصبح الجمهور ينتظر رواياته، ومقالاته، ولقاءاته التلفزيونية.. من طبيب أسنان زوار عيادته من النخبة، إلى كاتب جماهيري عالمي…
حصد فيلم عمارة يعقوبيان هجوما كبيرا من النقاد قبل الجمهور.. ومن بعض الانتقادات: هي مصر مافيهاش شخصية واحدة كويسة!
انتقاد لاذع آخر مبطن بالخبث لا أنساه: عمارة يعقوبيان مش عارفين ندخلها منين.. وأظن أن الكثيرين أضحكهم هذا التعليق؛ المصريون يعشقون النكات خاصة المطوية منها على معنى قبيح!
أغرب الانتقادات حقا كانت من مثقف مسيحي يتساءل لماذا اختار علاء الأسواني رجلا مسيحيا لشخصية القواد في الرواية؟!
حين تسأل هذا المثقف الغريب: أليست الرواية تتناول الفساد في مصر؟،
يحيبك: نعم.
-المسيحيون جزء من مصر أم لا؟
– طبعا جزء من مصر – هل لو كان علاء الأسواني تجاهل وجود أي شخصية مسيحية في الرواية كان “هيعجبك”؟
– لأ طبعا!
– هل عجبك تناوله لفساد المصري المسلم؟
– لأ طبعا!
– طب يا معلم قوم بقى احرق الرواية زي شعبولا في “مواطن ومخبر وحرامي”
يوجد سؤال طرح نفسه أثناء قراءتي للرواية ومشاهدتي للفيلم: ما مشكلة علاء الأسواني وهيمنجواي مع المثليين، ولماذا يطلقون أحكاما أخلاقية على فئة قد لا تضر أحدا؛ إن خرج الأمر من دائرة الاستغلال؟!
على من يردد شعارات حول عمل المرأة واستقلاليتها؛ أن يشاهد ويتأمل شخصية “بثينة” في عمارة يعقوبيان.. خرجت البنت لتعمل وتكافح من أجل قوت أمها وعيالها، كانت تقف على ساقيها 12 ساعة يوميا من أجل راتب صغير.. لم يكتف صاحب المحل بهذا، ابتزها جنسيا ليبقيها في العمل.. ليست بثينة فقط هي من كفرت بكل شيء، بل كل من تعرضوا لذلك وما أكثرهن..
“شيكاجو ” تظل بالنسبة لي أجمل ما كتب الأسواني، ربما يشعر القارئ أن الرواية صنعت بمزاج فعلا، غير أنها كانت على درجة كبيرة من الإنصاف، فهو يقارن بين مصر وأمريكا.. الكتابة صادقة ومكملة لمشروع علاء الأسواني في تناول الفساد، ليس في مصر فقط بل في أمريكا.. فساد الشخصية أيا كان موقعها..
شخصية شيماء التي تبدأ بها الرواية، بنت مصرية محجبة متدينة، تسافر لتكمل دراستها في أمريكا مع الحفاظ على تربيتها الشرقية ودينها..
حين تقع في حب شاب مصري من زملائها.. مكبوت جنسيا مثلها، تذهب للتفتيش في الدين الإسلامي عن حجة تهرب بها من وقوعها في الإثم؛ بالفعل تجد ما ينص على أن الزنا هو دخول اللحم في اللحم، حسنا هي هكذا لم تخسر دينها وحبها وتشبع رغباتهما في الوقت ذاته، لكن الجنس الخارجي لم يمنع حدوث الحمل، يحاول من أحبته التهرب، هنا يبرز علاء الأسواني أحد أهم عيوبنا وهو الهروب من تحمل المسؤولية.. تذهب شيماء لتجهض الجنين.. تقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق!
في شيكاجو شخصية “صلاح” الذي لا يعتز بمصريته ظاهريا ويتفاخر بأنه يحمل الجنسية الأمريكية.. أعظم شخصيات الرواية ومن الجميل أن تدرس هذه الشخصية.. أن يدرسها أطباء النفس نفسهم..
يحمل صلاح كلمة “جبان” على عاتقه لأكثر من ثلاثين عاما، عندما قرر ترك مصر للأبد نعتته المرأة الوحيدة التي أحبها بالجبن.. صلاح مثل الكثيرين الذين لا يرون أملا في مصر، يفضلون الهجرة إن أتيحت بلا عودة..
ما الذي يجعل صلاح يفتش في ثيابه وأوراقه وصوره القديمة، لقد تحقق في أمريكا، وله زوجة أمريكية تحبه كثيرا؛ شيء ما يدفع غير المتصالحين مع حاضرهم للبحث الدقيق في ماضيهم..
يستطيع صلاح الوصول لزينب هاتفيا، يخبرها أن صلاح الذي اتهمته بالجبن سيثبت لها غدا أمام العالم أنه ليس جبانا أبدا!
كانت زيارة الرئيس المصري، والجالية المصرية تريد توجيه رسالة له بعدم رغبة المصريين في استمراره بالحكم..
يصر صلاح على إلقاء الخطاب، تمنحه الجالية ثقتها. الحوار تبثه قنوات العالم، عندما يقف صلاح أمام الرئيس، يتعرق، وتحتبس أنفاسه وبدلا من أن يقول له مضمون الرسالة: ارحل. يضع الورقة في جيبه ويمتدح الرئيس..
لقد خذل كل من وثقوا به، وشاهدت زينب جبنه أمام العالم، قرر صلاح إنهاء حياته بالانتحار.. رصاصة واحدة أنهت سنوات من الحيرة والجبن..
أنهى الأسواني شيكاجو بمشهد حبيب شيماء يزورها في المستشفى بعد عملية الإجهاض، ذقنه طالت وبدا شاحبا ضائعا، نعم تأخر في اتخاذ القرار الملائم.. لكنه قرر البدء من جديد، تبادل وشيماء ابتسامة شاحبة لا تخلو من أمل..
أراد الأسواني بتلك النهاية أن يقول: إن التغيير يجب أن ينبع أولا من داخلنا..
“نادي السيارات” رواية جيدة ولا تدين أو تسيء لأهل النوبة كما أشاع أعداء الأسواني..
شخصية “الكوو” وتعني القائد في النوبية، هو قائد الخدم في قصر الملك، وله تأثير ليس قليلا على الملك أيضا لثقة الملك فيه. الكوو يتحكم في أرزاق من يرأسهم.. وجميعهم يخشونه.. تشعر أنك تشاهد دولة مصغرة داخل دولة، في نهاية الرواية يتحد المظلومون ويقتلون الكوو..
“جمهورية كأن” أحدث أعمال علاء الأسواني الأدبية كما أنها الأسوأ على وجه الإطلاق؛ من حيث المط والترهل، والأحداث المكررة المملة رغم اعتماده نفس أسلوبه في التشويق.. لقد أراد الأسواني أن يقدم رواية ضد النظام فجاء الغرض على حساب الأسلوب، واتقان الكتابة..
علمتني السينما أن النوايا الحسنة وحدها لا تصنع فيلما جيدا، أيضا المعارضة وحدها لا تكفي لصناعة رواية جيدة.