الرئيسية / مجتمع / مهاجرون سودانيون يحملون على ظهورهم خناجر.

مهاجرون سودانيون يحملون على ظهورهم خناجر.

مهاجرون سودانيون يحملون على ظهورهم خناجر.

مهاجرون سودانيون يحملون على ظهورهم خناجر.

كتب / مصعب محمد علي

ليس هناك طفل  على وجه الارض يستحق أن يعيش رعبا كالذي    عاشه اطفال السودان اثناء حرب الجنرالين – عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو- اللذان جعلا  ملايين الأطفال والأسر يعيشون كابوسا فظيعا يشتد يوما بعد يوم .

1

فأطفال السودان اصبحت حياتهم   موزعة  بين الهرب من نيران الاسلحة والجوع والمرض  وبين قطع مسافات طويلة هي الاخرى  جعلتهم عرضة للموت كما حدث مع الطفلة  صاحبة الاربعين يوما والتي فر بها والداها من منطقة الجزيرة الى  المثلث  -المنطقة الحدودية مع ليبيا- ومنها إلى مدينة الكفرة الليبية ، فهذه التجربة لا تشبه تجربة الهرب من الموت مع  أي تجربة أخرى

2

يقول والد الطفلة صاحبة الاربعين يوما   إنه كان يعلم مقدار المسافة ويفهم انها  الحد  الفاصل بين الانسان وموته.

اما  والدة الطفلة فقد سمعت  تحذيرات كثيرة ، عن بعد المسافة ومشقة السفر واحتمال الموت في الصحراء ، لكنها اصرت : هي تجربة لا بد للانسان أن يتخطاها كي يدرك حجمها، فهي ابعد من مسافة الموت بيننا والدانات والبراميل المتفجرة

وتضيف : في منطقة الجزيرة اصبحت المسافة  بين الإنسان وجثته قصيرة وفاصلة.

3

استغرقت رحلة اسرة الطفلة  من مناطق الجزيرة حتى  المثلث عشرة أيام، مرت خلالها بتفاتيش تتجاوز المئة والعشرين وفي كل نقطة ارتكاز كانت تطرح نفس الاسئلة ويخضع الجميع لنفس التفتيش ليس هناك اختلاف بين تفتيش واخر وقد يستغرق  الربع ساعة، هذا الوقت المهدر يتسبب في تلف اعصاب كثير من المسافرين الذين تعرضوا  لابشع أنواع الاستفزاز، والاسئلة التجريمية،

يقول والد الطفلة   إن في اخر نقطة تفتيش لمنطقة دنقلا الخناق  دخل افراد   من أستخبارات الجيش معه  في مساومة اما  اعادته الى منطقته او ان يدفع مبلغ 5الاف جنيه، كانت التهمة جاهزة وهي السفر عن طريق التهريب، فوجد نفسه  مضطرا لدفع المبلغ، لكنه  علم لاحقا  أن الجيش السوداني ، خصص مكاتب لعمليات السفر فهي تصدر اوراقا رسمية بمقابل مادي، كما عينت عشرات العسكريين والاداريين لغرض السفر والتفويج.

4

منذ ان اندلعت الحرب نشط كثيرون للاستفادة من اوضاع الحرب ليضيفوا للشعب معاناة اخرى لان امامهم عرضا من التجارة والارباح لن يتكرر، بما في ذلك طرفي النزاع فكلاهما فرض رسوما للعبور من منطقة الى أخرى كما فروضوا واقعا جديدا ومؤلما

5

غادرت أسرة  الطفلة  إلى المثلث في شهر مايو  اثناء القصف العنيف للمنطقة ، وعاشت تجربة الهرب من الموت والنزوح والنوم في (قهاوي) الطريق    برفقة عائلتها..التي وصلت الى منطقة المثلث بصعوبة بالغة، قاطعة الاف الكيلوميترت.

6

 كيف تبدو الحياة في  منطقة المثلث؟

مهاجرون سودانيون يحملون على ظهورهم خناجر.

مهما كانت الاجابة قاسية لكن بين كل مسافر مهزوم هناك اخر يحتفل بمغادرة المثلث والمضي قدما  نحو  المجهول و في المثلث يحتفل كل مهاجر هزمته الحرب بانتصار السفر الى الكفرة، فمن المناطق التي غادرها كان يحمل في ظهره خناجر، لكنه سيواجه  سيوفا رملية في الصحراء الكبرى فهل سينجو ؟

7

اول مايلفت الانتباه للمثلث أن هذه البقعة البعيدة عن المعمار لاتتوفر فيها ابسط مقومات الحياة، فقد كانت في البدء مكانا خاصا بالتنقيب عن الذهب مكان شديد القسوة، حتى أن  طقسه ناقص فقد منحته الطبيعة فصلين فقط صيف حار ولاهب، وشتاء قارس  ، ولم ينعم ولو لمرة واحدة بامطار، ومن شدة قسوته تسمع عبارة تحذيرية وهي :

ممنوع دخول النساء، إلى سوق المثلث، هذه العبارة لم تكتب على لافتة، ولم تصدر السلطات قراراً رسميا بذلك، لكنه اصبح امراً متعارفاً عليه، يعود سبب المنع إلى أن السوق كل مرتاديه من الذهابة والعاملين في مناجم الذهب، وقضى عدد منهم فترة عام أو يزيد دون أن يرى امرأة

وبنفس القدر غير مسموح لتجار وعمال المثلث بالدخول إلى الوحدة الإدراية الخاصة باجراءات سفر المهاجرين إلى ليبيا، الوحدة الإدارية للمثلث مكان  ضاج ويعج بالنساء. والأطفال وكلهم  يواجهون مشقة وعنتا بسبب سوء الخدمات، والانتظار الطويل والذي قد يمتد لعشرة ايام

8

 بعد أن اصبحت ليبيا مقصد كثير من السودانيين فتحت السلطات السودانية مكاتب خاصة بعملية الهجرة، لكنها لم تتكرم  بتسهيل اجراءات السفر بل كل شئ معقد وكل شئ فيها ناقص الا الشكوى فهي الاكثر اكتمالا

شكاوى من  سوء الخدمة،     مياه الشرب منعدمة بالكامل كما لاتتوفر المراحيض الجميع يقضى حاجته في العراء البعض يستخدم الحجارة لمسح ونظافة فضلاته،  في حال لم يستطع الحصول على ماء،   لذلك اصبح المكان ملئ بالفضلات، والروائح القذرة

ونتج عن ذلك إصابة كثيرين بالأمراض

 والمثلث هو  الموقع الاخير لانطلاق الرحلة الى ليبيا ، يدير عملياته  سماسرة وسائقي مركبات /تندرا واسكيوا/ ورجال الامن والضباط الاداريين، الذين تربطهم جميعا مصالح مشتركة، ولكل نسبته من  رسوم الرحلة،

يوميا يصل  إليه ما يقارب المئتين مسافر ويغادر ما يزيد عن المئة 

9

يحكي معلم الرياضيات ناجي قسم الله -60عاما- انه تعرض لعملية غش من احد مكاتب التفويج في منطقة الخناق ، فقد اتفق معه مكتب الترحيلات  على ان يدفع مبلغ 700الف جنيه سوداني-

5الاف دينار ليبي-  مقابل تفويج اسرته المكونة من ثلاثة اشخاص من الخناق الى المثلث ومن المثلث الى الكفرة ،  وبعد الوصول الى المدينة الليبية يلتزم المكتب باستخراج كل الاوراق المطلوبة في مكاتب الهجرة غير الشرعية

   وعندما   وصل الرجل الستيني  الى المثلث اصبح يبحث عن سائق العربة، يقول الناجي، العربة التي نقلتنا من منطقة الخناق لا تحمل لوحات، وهي تسمى بالاسكيو ، وذكر الناجي أن عدد الركاب داخل العربة المنزوعة المقاعد بلغ خمسة وعشرين راكبا، الكل يجلس القرفصاء ولمدة 12ساعة بالضبط، ولا تستطيع خلال هذه المسافة ان تحرك اطرافك، لانك محاصر حصارا محكما بين زوايا العربة والركاب الشيء الوحيدالذي  يمكن ان يتحرك في جسد الركاب  هو الفم واللسان تشكو بهما وتصرخ أو تتاوه من الالم.

10

نجونا من الموت بأعجوبة، امتلأ البيت بالحطام، وسقط سقف البيت الذي راكم حطاما ودخانا  وغابت عنا  الرؤية بسبب الظلام الدامس. وبعد أن أفقنا من الصدمة  وسط  الظلام

صرت ابحث عن طفلتي صاحبة الاربعين يوما، استغرق الاطمئنان عليها مدة من الوقت  10 دقائق

11

يتنفس الصعداء كل من يجد له مكانا في عربة التندرا التي تغادر الى الكفرة، وهي عربة مصممة  للسفر في الصحاري وقطع الوديان والسهول الرملية ، يقودها سائق ليبي يحفظ الصحراء الكبرى عن ظهر قلب،

قال ع أ -ليبي- سائق التندرا التي اقلت اسرة الطفلة صاحب الاربعين يوما، إن الصحراء الكبرى لم تعد تجربة مخيفة كالسابق، فقد اصبحت دروبها وسيوفها محفوظة ويسهل قطعها خلال ساعات،  والسيوف وفقا للشامخ هي عبارة عن  تلال من الرمل تتفاوت في طولها وعمقها، ويجب على السائق ان يكون مدربا وحذرا عند عبورها ويقول إن عدد السيوف التي يجب عبورها 24سيفا.

لا تتوفر مقاهي او استراحات، لكن هناك  مكان يجب أن تتم زيارته اثناء الرحلة وهي التماثيل والوصول اليها استغرق 7ساعات.

 وبعد الوصول اليها يتحول السائق الى دليل سياحي حين  يقدم شرحا مفصلا عن منطقة التماثيل

للمهاجرين وعن  الكيفية  التي حولت فيها رياح الصحراء العاتية جبالا ضخمة  الى منحوتات    حتى اصبحت تماثل قطعا من النحت. ويتيح السائق الفطن المدرب الفرصة للمهاجرين بزيارتها.

12

في اول بوابة عبور في منطقة جبل عيونات  يطلب حرس الحدود الليبي اوارقا ثبوتية، الرقم الوطني كان كافيا لدخول الكفرة، ويكتفون بمراجعة المنفستو وتصريح السلطات السودانية، وبعدها يتمنوا للجميع وصولا ودخولا امنا.

13

بعد خمس ساعات من القيادة المتواصلة ظهرت مجموعات سيارات محروقة قال السائق انها من مخلفات الحرب الليبية

وفي اثناء المرور السريع ظهر كلب ركض محاولا اللحاق بالتندرا كان امرا مثيرا  للدهشة  لكن السائق بدد هذه الدهشة وقال إن الكلب صاحبه رجل ينقب عن الذهب واشار الى قطية من القش حولها مخلفات لسيارات محروقة وذكر أنه رجل معروف لكل عابري الصحراء وكل هذه المساحة تحت تصرفه

14

في الساعات الاولى من صباح اليوم التالي للرحلة  لاحت من بعيد لافتة تشير  الى مدينة الكفرة  وفور وصولها طلب والد الطفلة الذهاب الى اقرب مركز علاج للكشف على صحة طفلته التي اصيبت بتقرحات جلدية وحمى.

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

صدور كتاب “ندوات أسرى يكتبون”

صدور كتاب “ندوات أسرى يكتبون“ حسن عبادي| حيفا صدر عن جدل للنشر والتوزيع ومنشورات رابطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *